IMLebanon

ما بين حكم القانون وتحكّم السياسة

 

على قرقعة التناقضات والمناهضات، تمخر السفينة اللبنانية عباب الأيام المظلمة التي يمر بها لبنان.

 

انفجارات يومية وقنابل مدوّية، يتبرّع بها معظم المتناطحين في أرجاء هذه الساحة التي قلّت مساحاتها وكثرت ميادينها. تطوع العديدون فيها إلى جملة من المناكفات والصراعات ألقت بلبنان كلّه، بجميع فئاته وجهاته وتوجهاته في أتون صراعاتِ قوى تفوقه حجما ووزنا، وتطبق على أنفاسه دونما أي تقدير لأحوال الإنهيار الوطني والسيّاسي والحياتي الذي يطاوله ويكاد أن يحجب عنه ضوء الشمس وعبق الهواء النقي، ليحصره في إطارات الجوع والمرض والحياة المتلاشية والأفق المسدود. آخر مستجدات الأيام الأخيرة… وفيرة وخطيرة والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، بعضها حرّك في قلمي وفكري مكدّسات سنوات طويلة من العمل الحقوقي ومن دوافع الإستشهاد بالقانون، نصا ومضمونا وتوجها. وإذ يعمد حضرة قاضي الأمور المستعجلة في مدينة صور إلى تمديد صلاحياته القضائية المحدودة لتطال لبنان كلّه، وبصورة خاصة، إعلامه الحرّ المستقل الذي ترعاه أسس وقوانين وتاريخ طويل وعريق جعله قدوة وضّاءة في العالم بأسرة وفي بلدان هذه المنطقة المتميزة بكل أسسها ومرتكزاتها، فلبث الفكر اللبناني ثابتا بكل مواقعه وتفرّعاته، وفي طليعتها إعلامه الحرّ المرئي والمكتوب والمسموع، فإذا بموقع جزئي ومحدود من القضاء اللبناني يفرض نفسه على هذا العالم اللبناني الواسع مانعا إياه من نشر تصريحات يدلي بها سفراء دون آخرين، ويلزمها بما ذهبت إليه قراراته الغريبة والمتجاوزة لحدود صلاحياته، متمدّدا بها على مدى زمني واسع وبغرامات باهظة تفرض على وسائل الإعلام، إذا ما أخلّت بالأوامر المستعجلة، دونما أية مراعاة للقانون اللبناني (الذي يصدر أحكامه باسم الشعب اللبناني وليس وفقا لمندرجات أي دين أو مذهب أو طائفة) وللاتفاقيات الدولية وفي طليعتها إتفاقية ڤيينا التي وقعها لبنان  في العام 1961، وهي إتفاقية دولية تسبق القانون اللبناني في صلاحياته. نقول ذلك ولا ندافع عن تصريح ما لأي سفير أجنبي بمن فيهم سفيرة الولايات المتحدة الأميركية التي صرّحت في الشأن اللبناني بما لا علاقة لها به، بل ننطلق من القانون ونطاقاته المختلفة ونوجه الصلاحية في معالجة الوضع الذي أقحم نفسه به حضرة قاضي العجلة في صور متجاوزا بنود صلاحياتها في الواقع الإداري المحض، إلى وزارة الخارجية الضليعة بموضوع اختصاصاتها الدبلوماسية الشاملة بكل علاقة مع الدول وسفرائها، فهي المخولة وهي صاحبة الإختصاص في التدخل والمعالجة وإبداء الملاحظات، وتجاوز هذه الوزارة يدخل لبنان في إطارات وإشكالات غير محمودة.

 

بالإضافة إلى ما تحرّك في اهتمامي من أصول ودوافع وتوجهات وجوب التقيد بالقانون الداخلي والدولي متبنيا في هذا الإطار كل الدراسات والآراء التي أدلى بها كبار رجال القانون في هذا الصدد، فإنني أذهب الى ما استفاق وتجانس مع فكري كإعلامي سابق، مارس الإعلام لفترة سبقت إنتقالي إلى المحاماة، وأنا ما أزال أمارس منه بعضا من وجوهه وتوجهاته، وبصرف النظر عن الإطارات القانونية والمعنوية المحيطة بحرية الكلمة والإعلام بكل فئاته وأنواعه التي يحرص عليها كل لبناني، وفي الطليعة رجال الفكر والإعلام في لبنان، حرصا يعادل تمسّكهم بأسس هذا البلد التي لم يترك لها المسؤولون من أوضاع معنوية سليمة يفاخرون بها في شؤون الحياة والاقتصاد والحياة الكريمة والشؤون المعيشية التي يقتضي أن تقي كبارنا والصغار من وضعية الحاجة المذلة والجوع القاتل والعجز الكامل عن مجابهة تحديات الزمن الغادر.

 

لا.. للقرار الصادر عن قاضي الامور المستعجلة في صور للأسباب التفصلية التي ذكرت، وللأسباب الأكثر تفصيلا  والتي ادلى بها قانونيون كبار وصحافيون أصلاء ورجال فكر حريصون على أسس الحياة الحضارية التي قام عليها  النظام اللبناني بركائزه الحرة والأصيلة، موغلا بقضائنا إلى ارتباط يتجاوز الحدود اللبنانية إلى دول تصادم الحضارات الحديثة وحرية الرأي والفكر والكلمة بما يقيد لبنان واللبنانيين بجملة من الأصفاد لا ناقة لهم ولا جمل بدوافعها وأنواعها ونتائجها. وما دمنا في إطار الإشارة إلى الأوضاع الصعبة التي باتت تشدّ لبنان إلى الخلف وتعيده إلى مساوئ الماضي القريب، وتحسبات الماضي البعيد، نشير إلى العودة إلى أجواء وأحاديث ومحاولة اغتيال طفحت بها أقوال الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وتحسب لها اللبنانيون، خشية من عودة الفلتان الشامل من خلالها إلى مجمل الحياة العامة اللبنانية، الأمر الذي يدعونا إلى التنبه والحرص  الشديد على أمتنا ومستقبلنا. كفانا فلتان الدولار وسوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، على حياتنا، وكفانا من الفلتان الأمني ما سبق ان عانينا منه الأمرين مع إقرارنا الثابت بأن الأيام المقبلة لن تكون ناعمة الملمس على حياتنا وسلامة أوضاعنا واستقرار بلادنا.