أغلب القراءات التحليليّة التي أمضينا حتى وقت متأخر من ليل الأمس ونحن نصغي إليها تحدّثت بأسف عن نسبة الاقتراع المنخفضة في دوائر عديدة وحازت على المرتبة الأولى فيها الدائرة الأولى في بيروت، وعزت كلّ التحليلات انخفاض نسب الإقتراع إلى «قانون الإنتخاب» ورفض شريحة كبيرة من اللبنانيين له، وأغلب التحليلات اعتبرت أنّ اللبنانيّين لم يفهموا القانون وأنّه لم يشرح لهم بصورة كافية، والحقيقة ليس هذا هو السبب فقط…
من المؤسف جدّاً أنّ الذين أصرّوا على فرض النسبيّة والحواصل الإنتخابيّة على اللبنانيين لم يفكّروا للحظة بردّ فعل هؤلاء اللبنانيين على العقد الحسابيّة لهذا القانون، ولكن السبب الأهمّ لنسب الإنتخاب التي ظلّت متدنيّة إلى ما قبل الساعة السابعة من مساء الأمس واقع ترّهل الدولة وعجزها عن إيجاد حلول لمشكلات كثيرة تواجه اللبنانيين يومياً من دون أن يشعروا حتى بأنّ هناك جهود حقيقيّة لحلّها، وما أكثر هذه المشكلات، ومن واقع ترهّل الدولة الفساد المستشري الذي «كزّت» منه نفوس اللبنانيين الذين يشعرون بتعرّضهم لعمليّة استنزاف ونهب منظّم ومعظمهم من ذوي الدخل المحدود أو المتوسط وعلى كلّ المستويات، وقبل هذه كلّها الرّكود الإقتصادي الخانق الذي يعيشه اللبنانيّون وإحساسهم أنّ هذا الرّكود دخل في نفق طويل لا ينتهي!
نعم هناك شريحة من اللبنانيين على لوائح الشطب وهي ما بين مسنّين وآخرين لا يحسنون القراءة والكتابة اعتادوا على إعطائهم لوائح جاهزة يضعونها في الظرف الانتخابي، هؤلاء وجدوا أنّهم سيكونون أمام معضلة إنتخابيّة، لم يستطيعوا فهمها… وقفتُ بالأمس أنتظر دوري لأنتخب، سمعت تهامس كثيرات على باب القلم وهنّ يتساءلن كيف ننتخب، أو أنّهنّ نسيْن اسم المرشح الذي أوصين بمنح الصوت التفضيلي له!
وهنا نأتي إلى كارثة «الصوت التفضيلي» ضاع كثيرون عندما وجدوا أنفسهم أمام أزمة كلمة السرّ التي عليهم أن يلتزموا بها والتي سيقوم بمهمّة توجيههم إليها عند مكان الإقتراع، والطامّة الكبرى كانت في أسماء مجهولة من النّاس، قيلت لهم أسماء لا يعرفون صورة وجهها ووجدوا أنفسهم أمام ورقة تعطى لهم في لوائح عدّة فضاع النّاس!
من شاهد بالأمس حال الإرتباك التي أصابت كلّ الأحزاب والتيارات وعدم قدرتهم على تحديد احتمالات فوزهم توضح أنّنا خضنا انتخابات بقانون مزرٍ، وأنّ الذين أصرّوا على أخذ الانتخابات إلى النسبيّة يضمرون شرّاً للبنان، وأنّهم يعون ماذا يفعلون، وأنّهم يسعون إلى تغيير وجه لبنان وهويّته من بوابة وضع اليد على التشريع البرلماني!
ستشهد الأيام المقبلة طعوناً بالجملة بنتائج الانتخابات، ولن يكون أحد راضياً عن النتائج، وسنجد أنفسنا أمام مجلسٍ نيابي ملتبس الهويّة، وسنجد أنفسنا ذاهبون إلى أزمة كبرى «ركّبها» وزير الخارجية جبران باسيل مع الرئيس نبيه برّي وتجديد انتخابه رئيساً للمجلس الجديد، ونحن ذاهبون أيضاً باتجاه أزمة كبرى يعدّ لها حزب الله العدّة منذ أعلن الشيخ نعيم قاسم أنّ رئيس الحكومة ليس بالضرورة أن يكون نائباً أو رئيس كتلة كبرى، العصيّ وضعت في دواليب ما بعد يوم الانتخابات وإعلان النتائج، كفى الله لبنان وكفانا شرّ هؤلاء، الناس «قرفت» ولم يعد في طاقة اللبنانيين أن يتحملوا خضّات وصراعات وتعقيدات وتعطيل، لقد شبعنا أزمات.