IMLebanon

قوانين تواجه البلاد أبرزها قانون الايجارات

 

 

مخرج سياسي يقود الى حلّ شامل

والاتصالات مستمرة لطيّ الصعوبات

كان القصر الجمهوري في بعبدا، يوم الأربعاء الماضي، يضيق بالوافدين اليه من كل الأحزاب والمناطق، ينتظرون مواعيدهم، قبل أن يستقبل رئيس الجمهورية الهيئات الاعلامية المرئية والمقروءة، عندما وقف نائب سابق عائد من الخارج، ومعروف بماضيه العريق شعبيا وسياسيا ليقول لمن كانوا يتحلّقون حوله، ان الشعب اللبناني وفي غفلة من الزمان، مرّروا قانونا لقيطا للايجارات من دون مناقشة عملية في جلسة نيابية، كاملة الأوصاف، وبصورة هي أقرب للتهريب منها الى الانصاف العميق، وذكر النائب السابق ان القانون اللقيط، سيرمي الناس في الشوارع وسينقل الظلم من قدامى الملاكين الى الملاكين الجدد.

وأردف النائب السابق، ان النواب الحاليين تصرّفوا في الندوة النيابية كمحامين عن أصحاب الأملاك. وعصروهم عصرا، كما عصر القانون القديم أصحاب الأبنية العتيقة. وأنا آتٍ الى رئيس البلاد الذي تعلق عليه البلاد كبار الآمال، ليردّه، ويردّ عنهم ظلما اجتماعيا لا حدود له.

إلاّ ان رئيس الجمهورية لم يتسن له، الوقوف على ما يحمله النائب السابق من معلومات، على الرغم من انه صارح المرافقين المحيطين عادة برئيس الجمهورية، بأن هذا الموضوع أشدّ حاجة الى الانصاف، من الذين ظلمهم القانونان القديم والجديد.

 

وتساءل حضرة النائب العائد الى القصر، بعد غياب طويل: ان الظلم الاجتماعي أكثر حاجة الى الاصلاح من الواقع المزري الذي زجّ به حضرة النواب المواطنين اللبنانيين. وقال ان المطلوب قانون حديث ينصف المستأجرين الجدد، ويعطي الحقوق المشروعة بالانصاف للمالكين القدامى… وتساءل: أليس في البلاد نواب يملكون شريعة الانصاف للجميع، فلا يبقى في الأمة الواحدة من ينصف الجميع بالقانون لا بشريعة اغتصاب الحقوق المرهقة للمواطنين. وأضاف: بعد أشهر، لا يتفاجأ الناس، اذا ما وجدوا الظلم يسود ويعمّ الجميع، كما حدث منذ أكثر من نصف قرن مع المالكين القدامى.

وذكر ان هذه القضية، هي قضية العهد الجديد في المرحلة الآتية.

عندما ارتفع صوت أحد المرافقين: فخامة الرئيس وقف الحاضرون من أصحاب الصحف والمجلات، ومن روّاد الكلمة الحرّة، ليصارحوا رئيس الجمهورية بالمصير القاتم الذي يلفّ الصحافة، المرئية والمسموعة، حيّاهم رئيس البلاد، وقال للجميع انه لا يحبّ أن يعطيهم دروسا في الحريات الاعلامية والصحافية، بل يحبّ أن يسمع منهم معاناتهم، لكن عنده مطلبا واحدا هو تحكيم الضمير عندما يتناولون القضايا الساخنة، ويعالجون الأمور الصعبة، لأن الوطن هو وطن الجميع، ولا أحد فيه إلاّ ويطلب الانصاف، وأنا في الطليعة.

جلس رئيس الجمهورية، وراح يصغي الى مطالبهم وهي في الغالب واحدة: عودة رئيس مجلس الوزراء عن استقالته من رئاسة حكومة البلاد، ولبنان لا يعيش من دون حكومة، وهذه مسؤولية الجميع، لا مسؤولية رجل واحد. والاصغاء الى النواقص مثل الاصغاء الى التزايد في ما هو سائد.

كان غريبا أن يقول رئيس الجمهورية ان البلاد أصبحت في أسبوع، بلا غطاء سياسي ومن دون مسؤولية واضحة لكل ما يجري ويعتري المواطنين من حاجات.

لكن رئيس الجمهورية انتقد الرئيس الحريري حينا وأعطاه الحق أيضا حينا آخر، وقال: اخاف إن أمعن كل فريق بمطاليبه، أن يصبح لبنان بلدا يفيض عليه أصحاب الحاجات بمطاليبهم، وتنقصه حاجة واحدة هي المساواة!

نحن ثلاثة رؤساء، ولكل منّا موقعه، رئيس الجمهورية هو رئيس السلطات كلها، وعليه تقع مسؤولية انصاف الجميع، ورئيس البرلمان هو قائد العملية التشريعية، وساعة يفقد لبنان فضيلة التشريع، يفقد أيضا فضيلة اقرار المشاريع العادلة. وعندما يغيب رئيس مجلس الوزراء، أو يستقيل، تستقيل معه الارادة الحرة في تبيان الحقائق وتظهير الانصاف.

قبل اكثر من ربع قرن، قال رئيس الجمهورية ان الغرباء وفي طليعتهم السوريون أمعنوا في التلاعب باللبنانيين. وأورد انه في ١٣ تشرين الأول، أي قبل أكثر من ربع قرن، أشاعوا الخراب والدمار في البلاد، وزرعوا الفتنة بين اللبنانيين، لكنهم بعد أعوام خرجوا من لبنان صاغرين ومرغمين، لأن ارادة داخلية جعلتهم يخرجون، من دون ان يتوقفوا في ضهر البيدر، لكنهم ما لبثوا ان عادوا الى بيروت عندما ضربت الفتنة المواطنين في غرب العاصمة. أضاف هذا يعني ان الفتنة الداخلية أعادتهم، كما ان الوحدة الداخلية أخرجتهم.

كان اللواء غازي كنعان في مربعه السياسي في عنجر، على أبواب الانتخابات النيابية، عندما دخل عليه الرئيس الشهيد رفيق الحريري العائد يومئذ من العاصمة السورية، فبادره بالسؤال: هل قررتم من ستأتون بهم الى البرلمان لتصنعوا منهم نوابا؟

ضحك حاكم لبنان الاداري والسياسي، وقال للرئيس رفيق الحريري: هل نحن من نصنع نوابا يا دولة الرئيس. عمّ صمت. وبعد ذلك أردف قائلا: أنتم يا دولة الرئيس تختارون نوابكم، ونحن نوافق أو نصفق.

ضحك الرئيس رفيق الحريري، وهو يردد: اذا ما عدت الى البرلمان، يكون لكل حادث حديث.

بعد مدة بدأ الرئيس رفيق الحريري يشعر ب مضايقات سورية تحيط به من كل حدب وصوب. لم يشعر أحد يومئذ بأن ربع نواب بيروت اختارهم غازي كنعان ليكونوا على لائحته أو على لوائحه في طرابلس وبيروت وصيدا.

بعد مدة من الزمان، استشهد غازي كنعان وتبعه في الشهادة رفيق الحريري الذي ذهب الى البرلمان لحضور جلسة النهاية التعيسة. عند الواحدة ظهرا، دوى انفجار هائل في مدينة بيروت. كان يومئذ الرئيس الدكتور سليم الحص في الجامعة الأميركية في بيروت. وأصبح الدخان الأسود يغطي أجواء العاصمة اللبنانية، الحاضرون ذهلوا والقلق تسرّب اليهم، والخوف على الناس بات يسود الأجواء.

كان، عند مدخل الجامعة الأميركية نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والعديد من الوزراء، ولا أحد يدري ماذا حدث في عاصمة العواصم. قرابة الساعة الثانية بعد الظهر وردت أنباء تشير ان جثة رفيق الحريري عثر عليها، تجاه فندق السان جورج.

ووصل بعد ذلك، الوزير السابق فارس بويز وقال ان جريمة العصر قتلت رجل العصر وان رفيق الحريري هو رجل كل عصر. ولم يعد في البلاد عصر اسمه عصر رفيق الحريري.

في ذلك الوقت، كانت الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس عمر كرامي. وكان وزير الداخلية هو النائب سليمان فرنجيه. وعندما حزم كرامي حقائبه للسفر الى الدوحة، قيل له ان الزيارة الأولى لرئيس حكومة لبنان ينبغي ان تكون الى المملكة العربية السعودية. وهكذا كان. وسافر الرئيس كرامي الى الرياض، لكن الزيارة كانت ناشفة وظلّ رفيق الحريري طبعا يحوم في الرياض وفي كل مكان، سواء عندما أدى الزعيم الطرابلسي مناسك العمرة أو ساعة قصد اللبنانيين المقيمين في المملكة.

بعد عشر سنوات على وقوع الجريمة النكراء، لا تزال أسرارها غامضة، على الرغم من احالتها الى محكمة لاهاي الدولية. من الرياض توجه الرئيس كرامي والوفد المرافق الى قطر وبعض الدول العربية، لكن طيف رفيق الحريري ظلّ في أجواء معظم العواصم يحلّق ولا ينحسر.

التاريخ يعيد نفسه

بعد قرابة اكثر من عشرين عاما، يكرر التاريخ نفسه، ويعود الرئيس سعد الحريري الى السلطة ويجسّد الثلاثي العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري وجه الحياة السياسية في لبنان.

في البداية ذهب الى دمشق في زيارة للرئيس الدكتور بشار الأسد، ليكسر الجمود القائم بين بيروت ودمشق. وبعد ذلك عرفت السياسة اللبنانية اربعة رؤساء حكومات هم: فؤاد السنيورة، سعد الحريري، نجيب ميقاتي، وتمام سلام. إلاّ ان سعد الحريري عاد الى رئاسة الحكومة أخيرا، بالاتفاق مع الرئيس ميشال عون، ومن دون حرب سياسية مع الرئيس نبيه بري.

إلاّ أن المؤامرة أطلت من جديد على البلاد، عندما قاد نجيب ميقاتي انقلابا أطاح بسعد الحريري، وهو يدخل الى البيت الأبيض الأميركي لمقابلة الرئيس الأميركي باراك أوباما.

قبل اسبوعين، وقع الانقلاب الأكبر عندما دعي سعد الحريري الى السعودية، وبقي فيها رئيس حكومة مستقيلا على أمل أن يعود لاحقا الى بيروت للتفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون على استقالة لم يتم تقديمها بصورة سليمة.

كبرت الأزمة. اشتدّت المنافسة بين الأقوياء. اختلف الكبار على مناصب الصغار. هل يعود سعد الحريري الى بيروت كما وعد العديد من الأصدقاء، ولوّح بذلك أمام الكثير من السياسيين؟

بادئ الأمر ظلّ العناد السياسي طفيفا. لكنه أصبح بعد مدة حردا سياسيا وغضبا شعبيا، وأصبح سعد الحريري رئيس الظلّ عند التكليف والتأليف، ورجل المواقف الصعبة والأزمات الكبرى، في بلد تعتريه الصعوبات من الجهات الأربع.

وترددت في الآفاق معلومات تفيد بأن سعد الحريري تقلّصت نسبة تفاهمه مع الرئيس ميشال عون، لكن التفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ظلّ عنوان التقارب والتباعد في آن.

بيد أن الأزمة الطاغية على كل مشهد سياسي هو الصراع الاقليمي بين ايران من جهة والسعودية من جهة أخرى. وتحديدا بين ايران من جهة والسعودية ودول الخليج الأخرى وفي مقدمتها صنعاء وعدن والبحرين من جهة أخرى.

ويقال ان مشروع تسوية يجري العمل له، للتوفيق السياسي بين السعودية والعراق من جهة، وبين دولة الامارات العربية المتحدة والكويت من جهة مقابلة.

وهذا، كما يقال، مكمن الصراع بين ايران ومعها حزب الله ودوره الأساسي في عدد من دول الخليج، مرورا بدوره الرائد في لبنان، ليكون أساسا للتفاهم العربي قبل انهيار الآمال المعلّقة على الأشقاء العرب.

والعنصر المفاجئ كان ظهور المبادرة الفرنسية لتسوية الصراع في لبنان، وتطويق الخلافات في دول الخليج، لأن هناك تصميما على دور فرنسي سيمثله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال الأيام الآتية.

ويقال ان الرئيس ايمانويل ماكرون أكمل التقاليد الفرنسية في رعاية لبنان، لا في ضياعه.

ويضيف الخبراء الفرنسيون ان الدنيا تغيّرت وان سادة الأليزيه كذلك، وبقي الدعم للبنان، في ظلّ ثوابت، الموقف الفرنسي، لأن المعلوم ان فرنسا لم تتخل عن اليقظة في حيال ما يصيب لبنان، والسعي الى اخراجه من الأزمات والمواقف التي رافقت وتلت اعلان الرئيس سعد الحريري استقالته تلفزيونيا من الرياض.

ويقال أيضا ان هذه المرة كان لا بد من كون فرنسا ان مهمتها ترتيب مخرج لائق على الطريق الى بيروت عبر باريس، تلبية لدعوة الرئيس ماكرون، وهو ما رآه العماد ميشال عون مدخلا لحلّ الأزمة.

والمقصود على الأرجح، هو أزمة الجانب الشكلي من الاستقالة وملابسات ما بعد اعلانها، ومضاعفات ردود الفعل عليها. أما مضمون الاستقالة فان رئاسة الجمهورية قررت تجنّب البحث فيه الى ما بعد عودة الرئيس الحريري الى بيروت، والسماع منه بالتالي، اعتبار الاستقالة منعدمة الوجود قبل تسلمها خطيا في بيروت في حال أصرّ عليها رئيس الحكومة، واما الخيارات فانها مفتوحة والقرار باقٍ بيد الرئيس الحريري في البقاء والخروج.

ويبدو الرئيس عون واثقا من القدرة على تجاوز أي مأزق، كما يقول المفكر السياسي رفيق خوري، وهو يوحي بأنه استعد خلال الأيام الماضية لمواجهة أي سيناريو ومعالجة أي وضع من تقديم الاستقالة رسميا حسب العرف الدستوري، الى تأليف حكومة جديدة، مرورا بحكومة تصريف الأعمال التي تتطلب وجود رئيس الحكومة في لبنان، إذ يطمئن اللبنانيون بنصيحة الآخرين: لا تخافوا، فلن يكون هناك أي حلّ مقفل، وكل شيء سيكون قانونيا.

لكن الأزمة التي قادت الى الاستقالة تفرض نفسها على اللبنانيين وتلك هي المشكلة في أي حوار داخل المؤسسات أو خارجها.

وهكذا ظلّت البلبلة السياسية أسيرة المشهد الداخلي، ومفتوحة على مزيد من الغموض والانتظار الثقيل، ولو بدت حركة المشاورات الكثيفة تملأ المسرح السياسي. وعلم ان هناك قرارا واضحا يحكم هذه الفترة قبل عودة الرئيس الحريري الى لبنان، ولو لفترة سريعة بما يكفل فتح الفصل الثاني من الاستقالة وما يتبعها على معرفة الواقع الذي يعيشه الرئيس الحريري في هذه الحقبة الصعبة.