فتحت المنحة المعطاة للقضاة عبر صندوق التعاضد الخاص بهم، الباب أمام عودتهم التدريجيّة لاستئناف عملهم، مرحلياً، كما أوضح أحد القضاة لـ»نداء الوطن»، لافتاً إلى أنّ المطالب المحقة التي تم تحقيقها من السلطة السياسيّة، والماديّة بشكل أدق، تشكل حلاً مرحلياً للأشهر الخمسة المقبلة بحدّه الأقصى، لتبقى المعضلة الأساسيّة بالنسبة اليهم، في العراقيل السياسيّة التي تعيق إفراج وزير الماليّة يوسف الخليل عن مرسوم التشكيلات الجزئيّة للقضاة، وعودة الهيئة العامة لمحاكم التمييز إلى اسئناف عملها والبتّ في طلبات الردّ والمخاصمة المرفوعة أمامها.
وعلى الرغم من اسئناف بعض القضاة عملهم مع بداية العام، أوضحت مصادر قضائيّة إرتأت عدم الإفصاح عن نفسها، أن «غياب القرار المركزي لإعلان الإضراب حينها، يحتّم عدم صدور قرار بالرجوع عنه»، وذلك بعدما اتخذ قرار التصعيد عبر مجموعة الـ»واتساب» التي تضم ما يقارب الـ500 قاضٍ، حيث صوّت حينها ما يقارب 420 منهم لصالح الإضراب المفتوح جرّاء تفاقم التحديات المعيشيّة والماديّة التي تعيق استمرارهم في مزاولة مهامهم. وهذا ما يترك قرار العودة عن الإضراب بيد كل قاضٍ أو قاضية على حدة، حيث من المتوقع أن تتضح نسبة التجاوب مع الحلول المعطاة لهم، بداية الأسبوع المقبل».
وخلال جولة ميدانية لـ»نداء الوطن» في أحد قصور العدل، تبيّن أنّ المشهد الذي سبق الإضراب لا يزال على حاله. المساعدون القضائيون يعتمدون المداورة في الحضور الذي يقتصر على يوميْن في الأسبوع. الكهرباء كما حال البلد، مقطوعة كلياً. أما الإشتراك في المولدات الخاصة أو تأمين المازوت للمولدات الخاصة بقصور العدل، إن وجدت، فينتظر الميزانيّة غير المتوفرة حتى الآن. ويشكو بعض الموظفين الذين صودف تواجدهم يوم أمس، من العمل على ضوء الهاتف، فيما الظلمة تعمّ الممرات والمكاتب كما بعض قاعات المحاكم. وحول إمكانيّة إستئناف القضاة عملهم في هذه الظروف، أوضح أحدهم استحالة العمل من دون تأمين الكهرباء خلال دوام العمل الرسمي، لا سيما وأنّ أكثريّة المكاتب العائدة للقضاة موجودة في الطوابق السفلية التي لا يصلها النور، كما بعض قاعات المحاكم التي سيبقى العمل فيها معلقاً إلى حين معاودة تبليغ المتقاضين. في حين نقل أحد المساعدين القضائيين عن القاضي الذي يعاونه انه أبلغه نيّته في بتّ الأمور الطارئة والملحة فقط خلافاً للسياق السابق. ما يفتح الباب مجدداً أمام اعتماد الإستنسابيّة في عرض الملفات وإهمال أخرى وذلك بسبب تفاقم الضغط وتكاثر الشكاوى المعلقة طيلة المرحلة الماضية.
وإن كان الإضراب قد ساهم في نهاية المطاف في تحسين ظروف القضاة المعيشيّة، ولو نسبياً، إلّا أن ارتدادات ذلك لم يرحم المحامين وبعض مكاتب المحاماة التي تعرضت للضرر المادي وفق ما أوضح نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار لـ»نداء الوطن».
ومع تشديد كسبار على أن السلطة كما العدالة لا تعتكف، أكد وقوف المحامين إلى جانب القضاة ومطالبة السلطة السياسيّة بإعطائهم حقوقهم، وتأمين الميزانيّة المطلوبة لقصور العدل، مشيراً إلى توفر معطيات لديه حول موافقة بعض القضاة على المنحة التي ستصلهم، وتريّث البعض الآخر في العودة عن الإضراب إلى حين إقرار حلّ دائم بعدما تضمن الحلّ المرحلي تحويل 20 مليار ليرة شهرياً طيلة الأشهر الخمسة المقبلة إلى صندوق تعاضد القضاة بالتزامن مع رفع رواتبهم وتأمين بعض المساعدات الأخرى.
وإذ ينتظر كسبار إنتهاء فرصة الأعياد لاتضاح الصورة ونسبة الإستجابة للمطالب الهادفة إلى فكّ الإضراب وعودة القضاة عن استنكافهم في إحقاق الحق، أوضح أن التنسيق قائم بين نقابتي بيروت والشمال من أجل تقييم الخطوات التصعيديّة المقبلة، والتي قد تبدأ عبر الطلب رسمياً من جميع المحامين الذين يقارب عددهم 14 ألفاً، تنفيذ «يوم غضب» في قصر العدل، والتعبير عن رفضهم المطلق لتعطيل السلطة القضائية، تحديداً وأن وثائق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان تكفل حق التقاضي، المعلّق في لبنان، جرّاء استنكاف القضاة عن إصدار الأحكام والقرارات المرتبطة حصراً بالقضاة وسلطتهم، والتي لا يمكن استبدالها بأي كان، مشدداً على أن إضراب القضاة غير مألوف على الإطلاق، داعياً السلطة القضائيّة إلى «إلغاء التفكير في أي اعتكاف مستقبلي للقضاة من القاموس في لبنان».