هذا عام لم نشهد مثيلاً له من قبل وشهر مبارك ذاق فيه العالم الإسلامي كآبة المنظر، بيتُ الله الحرام الذي تكتظّ ليلته هذه بالملايين خالٍ من المعتمرين والمصلّين الخاشعين الرّاجين سلام الله وبركاته ورحمته، والحال في كل مساجد العالم الإسلامي ليس بأفضل، وحال مساجدنا في لبنان من حال مساجد العالم، فمساجد لبنان الليلة فارغة من عمّارها العائذين بنور وجه الله العظيم في ليلة هي خيرٌ من ألف شهر، يُحيي اللبنانيون الليلة ليلة القدر المباركة في بيوتهم، وهم في أسوأ أحوالهم الإقتصاديّة والماليّة والاجتماعية، في زمن الحجر والوباء والإفلاس في عام اشتدّ فيه الكرب كما لم يخطر لنا على بال أحد، والخوف من الأدهى والأمرّ الذي يلوح في أفق لبنان والعالم أيضاً…
سُئل رسول الله صلوات الله عليه: «أوَ نَهْلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: نَعَم إِذا كثر الخَبَث»، وقد كَثُرَ الخَبَث، وفينا الصالحون، وروى البخاري ومسلم من حديث الزهري، عن أسامة بن زيد قال: أشرف النبي صلّى الله عليه وسلّم على أطم من أطام المدينة فقال: «هَلْ ترون ما أرى؟» قالوا: لا، قال: «فإني لأرى الفِتَنَ تقع خِلالَ بيوتكم كَوَقْع المطَر»، وهي اليوم كذلك تقع علينا كوقع المطر، وأخرج البخاري في الصحيح والترمذي في سننه، حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «إصبروا، لا يأتي عليكم زمان، إلا الذي بعده شرّ منه، حتى تلقَوْا ربّكم»، وعلاج شرّ أيامنا وشرّ زماننا هو الصبر، نسأل الله أن يفرغ علينا صبراً، ونعوذ به من شرّ زماننا وأيامنا ومن شرور السياسيين اللصوص الذين يتحكمون بالبلاد والعباد.
يا ربّنا، «يا من إليه ترفع الشكوى يا عالم السرّ والنجوى يا من يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى يا رب الأرض والسما يا من له الاسماء الحسنى يا صاحب الدوام والبقا»، يا ربّنا، يا من غمر العباد فضله وعطاؤه ووسِع البرية جوده ونعماؤه ، وطننا محتاج إلى فضلك ولطفك، اللهمّ اكشف عنه شرّ كلّ ذي شرّ، وشرور إيران قبل كلّ قبل وشرّ أحلافها وأتباعها، واكشف عن لبنان عظيم كيدهم وتقيّتهم وأجنداتهم. يا رب ارحم شعوباً ضاقت بها الحيل وتشابهت لديها السبل ولم تعد تجد قراراً ولا علم ولا عمل…
يا ربّنا، يا مفرّج الكربات، يا مجلى العظيمات، يا مجيب الدعوات، يا رفيع الدرجات، يا رب الأرضين والسماوات، يا ربّنا، يحتضر العالم أمام أعيننا، «الـشِّـدَّةُ أَوْدَتِ بِالْـمُـهَـجِ/ يَـا رَبِّ فَعَجِّـلْ بِالْـفَـرَجِ/ وَالأَنْفُسُ أَضْحَتْ فِي حَـرَجٍ/ وَبِيَـدِكَ تَفْرِيـجُ الْـحَـرَجِ/ هَاجَـتْ لِدُعَـاكَ خَوَاطِرُنَـا/ وَالْوَيْلُ لَهَـا إِنْ لَـمْ تَهِـجِ/ يَا مَنْ عَوَّدَتَ اللُّطْـفَ أَعِـدْ/ عَادَاتُـكَ بِاللّطْـفِ الْبَـهِـجِ/ وَاغْلِقْ ذَا الضِّيـقِ وَشِدَّتـه/ وَافْتَحْ مَا سُـدَّ مِـنَ الْفُـرُجِ/ عِجْنَـا لِجَنَابِـكَ نَقْـصِـدُهُ/ وَالأَنْفُسُ فِـي أَوْجِ الْوَهَـجِ/ وَالِـى أَفْضَالَـكَ يَـا أَملِـى/ يَـا ضَيْعَتَنَـا إِنْ لَـمْ نَعِـجِ/ مَنْ لِلْمَلْهُوفِ سِـوَاكَ يَغـثْ/ أَوْ لِلْمُضْطَـرِّ سِـوَاكَ نَجِـي/ وَإِسَاءَتُنَـا لَــنْ تَقْطَعَـنَـا/ عَنْ بَابِـكَ حَتَّـى لَـمْ نَلِـجِ/ يَـا سِيِّدَنَـا يَـا خَالِقِـنَـا/ قَدْ ضَاقَ الْحَبْلُ عَلَى الْـوَدَجِ/ وَعِبَادُكَ أَضْحَـوا فِـي أَلَـمٍ/ مَا بَيْـنَ مُكَيْـربٍ وَشَجـى/ وَالأزْمَــةُ زَادَتْ شِدَّتُـهَـا/ يَـا أَزْمَـةٌ علَّـك تَنْـفَـرجِ/ جِئْنَـاكَ بَقَـلْـبٍ مُنْكَـسِـر/ وَلِسَـانٍ بِالشَّكْـوَى لَـهـجِ/وَبِعَيْنِـكَ مَـا تَلْقَـاهُ وَمَـا/ فِيهِ الأَحْوَالُ مِـنَ الْمزجِ/ يَا رَبِّ خُلِقْنَـا مِـنْ عَجِـلٍ/ فَلِهَـذَا نَـدْعُـوا بِاللُّـجَـجِ/ يَـا رَبِّ وَلَيْـسَ لَنَـا جَلَـدٌ/ أنَّى وَالْقَلْـبُ عَلَـى وَهَـجِ/ يَا رَبِّ عَبِيـدُكَ قَـدْ وَفَـدُوا/ يَدْعُـوكَ بِقَلْـبٍ مُنْـزَعِـجٍ/ يَا رَبِّ ضِعَافٌ لَيْـسَ لَهُـمْ/ أَحَد يَرْجُونَ لـدى الهَـرْجِ».