يُروى عن الرئيس رفيق الحريري أنه بادر إلى إنشاء وسائل إعلام المستقبل ليكتشف التكلفة الحقيقية للعمل الإعلامي، مقارنة بما يطلبه منه أصحاب الصحف والإذاعات والتلفزيونات. اليوم يفكر الرئيس سعد الحريري في التفاف مماثل على وسائل إعلام فريقه السياسي، يخلصه من الخسائر الوهمية، ويضبط المعلنين ويضمن له وقف الهدر وسد العجز وتحقيق نقلة إعلامية نوعية، ولكن الأهم إحكام السيطرة على وسائل الإعلام
وفقاً للأخبار المتداولة في الصالونات الإعلامية، تتجاوز خسائر قناة Mtv السنوية الثمانية ملايين دولار ليصل مجموع خسائرها المفترضة، منذ عام 2009، إلى أكثر من 35 مليون دولار. أما خسائر «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، في الأعوام القليلة الماضية، فتقدّر بأكثر من عشرين مليون دولار، لكنّ ذلك لا يعني أن المؤسستين في حالة افلاس او عجز كلي. يقول المطلعون إن رئيسي مجلسي إدارتي المؤسستين، ميشال غبريال المر وبيار الضاهر، يضعان تصوراً لأرباحهما السنوية يشمل كل الإيرادات المحتملة، سواء تلك التي توفرها الايرادات التجارية المباشرة او المال السياسي.
إلا أنهما، في الواقع، لا يحققان الأرباح المأمولة، في ظل اقتصار الواردات على العائدات التجارية (من دون المال السياسي)، واستثمار كل منهما في البنية التحتية لمحطته (استديوهات وغيرها). وبالتالي، يُوضع الفارق بين أرباحهما المتوقعة وتلك الفعلية في خانة الخسائر.
تأثر المر الكبير بتوقف المال السياسي لـ 14 آذار، يقابله انهزام ضاهر التام أمام الحصار المالي الذي يضربه الوليد بن طلال على الملعبين «التاريخيين» لـ «اللبنانية للإرسال»، الخليج ومصر. خسارة الضاهر للوليد تماثلها خسارة المر، أخيراً، لـ «روتانا» وغيرها ممن استغنوا عن خدمات شركة الانتاج Studio vision. وزاد الطين بلة، قرارا التمديد للمجلس النيابي، اللذان حالا دون استفادة المحطات من المال السياسي المنظّم لإطلالات السياسيين على شاشاتهم. ولا تلوح في الأفق اليوم، بالنسبة إلى هاتين القناتين بالذات، أي بوادر صرف طارئ لمال سياسي، فضلاً عن استمرار النزاع القضائي بين الضاهر والقوات اللبنانية، كما أن مزاحمة «قناة الجديد» لـ «المؤسسة اللبنانية للإرسال» في نشرات الأخبار، وإطلاقها برامج ناجحة، في موازاة مزاحمة Mtv لقناة الضاهر في البرامج الترفيهية، أثّرا أيضاً في «الفضائية اللبنانية».
وعبر الدمج
يحكم الحريري قبضته على وسائل اعلام
14 آذار المرئية
والأخيرة، خسرت في السنوات القليلة الماضية قسماً مهماً من جمهورها العوني، الذي انتقل إلى Otv، وجزءاً أهم من جمهورها القواتي، الذي انتقل إلى Mtv. وفي مقابل كل هذه الخسائر، في البرامج والجمهور والإعلانات والمال السياسي، تكاد تقتصر أرباح lbc على جزء مهم من المعنيين بقضايا المجتمع المدني، بعد التغييرات التي طرأت على نشرة أخبارها المسائية.
في مواجهة ذلك، لم يترك الضاهر وسيلة لضمان استمراريته إلا درسها، ليبدأ، منذ سنوات، الحديث في مناسبات مختلفة عن حل «الدمج» الإنقاذي.
دخل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على خط رسم الهندسة المالية لهذا المشروع. وفي موازاة البحث في إمكان تمويل رجل الأعمال جيلبير الشاغوري لهذا المشروع، بحث مصرفيون بارزون والوزير السابق مروان خير الدين في كيفية إفادة الضاهر من تعميم مصرف لبنان الرقم 331 المتعلق بالشركات الناشئة أو الـ Startups كما يقول حاكم مصرف لبنان. وهو تعميم يسمح للمصارف بالمساهمة ضمن حدود 3% من أموالها الخاصة في رسملة مشاريع ناشئة يتمحور نشاطها حول قطاع المعرفة. والـ 3 في المئة، هنا، تصل إلى نحو 400 مليون دولار.
حالياً، ومنذ مدة، يمضي الضاهر ساعات عدة أسبوعياً في ضيافة المر، متنقلاً في أروقة Mtv، بعدما لمس تقدماً من مختلف التلفزيونات في قبول طرحه القاضي بإنشاء صندوق موحد للإعلانات التلفزيونية، يضمن سعراً موحداً للإعلان ينهي التلاعب اليومي بالأسعار لتخاطف الزبائن. انتهت الإحصاءات، وأمنت شركتا محاسبة أجنبيتان للتدقيق في نتائج الاستطلاعات وتوزيع الغلة، قبل أن يبرز تطور مهم: كان الرئيس سعد الحريري يبحث عن حل يخفف عنه مصاريف وسائله الإعلامية ونفقات الوسائل «الصديقة»، من التلفزيونات إلى المواقع الإلكترونية مروراً بالصحف والمجلات والإذاعات. وبدأ، «فجأة»، وعن قصد أو من غير قصد، يطرح ما يروّج له الضاهر منذ سنوات: يمكن لدمج ثلاث مؤسسات كبيرة مثل «اللبنانية للإرسال» وMtv» و»المستقبل» أن تكون الخطوة الأولى الصعبة والكبيرة التي تتبعها خطوات أخرى سهلة وصغيرة. تصوّر الضاهر يشمل: أولاً، توحيد الصندوق الإعلاني وتوزيع عائداته بعدالة. ثانياً، دمج شركتي الإنتاج الرئيسيتين في النقّاش وأدما، وهو مدار بحث يومي بين الضاهر والمر. ثالثاً، توفير مطبخ واحد لكل المواد المشتركة، مثل تغطية النشاطات والمؤتمرات الصحافية والمباريات الرياضية والحفلات الموسيقية وغيره، لتتفرغ المطابخ الخاصة بكل قناة لبرامجها الخاصة. وحتى الآن، هناك اتفاق على بث نشرة أخبار موحدة في الثامنة مساء. ويقدّر أحد المتابعين أن مشروعاً كهذا يقلص مصاريف التلفزيونات إلى ما دون النصف.
ينطلق الضاهر في مقاربته للموضوع من خلفية تجارية، لذلك سعى الى إقناع «الجديد» بالصندوق الإعلاني المشترك. وهو كان، ولا يزال، يحلم بمؤسسة إعلامية ضخمة تكون أشبه ببيت بمنازل كثيرة، تتمتع بهامش كبير من الاستقلالية. وسيكون المشاهد أبرز المستفيدين من عملية كهذه، فهو سيلاحظ المساحة المشتركة بين كل وسائل الإعلام للأخبار التقليدية، ليكتشف بوضوح من يقدم إليه إضافات حقيقية. وسيضمن تركيز كل محطة على ملف معين بدل معالجة أربع وسائل إعلام، في الوقت نفسه، للشجار بين المحامين السوريين وزملائهم اللبنانيين في القاهرة أخيراً، على سبيل المثال.
الحريري، من جهته، ينطلق في مقاربته للأمر من خلفية سياسية – مالية، إذ يتطلع إلى تخفيف الأعباء المالية عن كاهله ومضاعفة فعالية وسائله الإعلامية، لذلك يسعى الى استثناء «الجديد» من هذه «العلبة»، وإعطاء دور أكبر لمستشاره هاني حمود في إدارة المشروع، بعد مصالحة الضاهر مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع (يعمل عديدون على إتمام المصالحة، في ظل قلق الضاهر من التحديات القضائية المقبلة) وضمان التزام الأول تعهدات جديدة مناقضة لتعهداته السابقة لكل من النائب سليمان فرنجية، ونائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس، ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون.
ينفي الضاهر، في اتصال مع «الأخبار»، وجود نية «دمج بالمعنى الحرفي» للكلمة، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة التعاون بين المؤسسات التلفزيونية في مجالات عدة، لأن هناك علاقة وطيدة بين تكاملها واستمراريتها. أما في Mtv، فيشير أحد المسؤولين إلى اصطدام المشروع، على نحو رئيسي، بعدم ثقة المر بالضاهر، إضافة إلى غياب الجدوى الاقتصادية الواضحة. في وقت تنحصر فيه المعلومات في «المستقبل» في قلة سياسية ترى في مشروع الضاهر مناسبة استثنائية لإخراج القناة الزرقاء من الزاوية التي حشرت نفسها فيها منذ عشرة أعوام من جهة، وإمساك الحريري، من جهة أخرى، بالوسائل الإعلامية الرئيسية التي تبدو في مختلف الاستحقاقات أقرب إلى القوات اللبنانية منها إلى المستقبل. أما على الصعيد الاعلاني، فيشير أحد المعنيين في «الجديد» إلى أهمية ما تحقق على صعيد «الصندوق الإعلاني» المشترك، مفضلاً التركيز على كيفية ضخ الأموال في هذا الصندوق أكثر من أي شيء آخر. مع العلم أن الضاهر ما كان ليمضي قدماً باقتراحه لولا حصوله على ضوء أخضر من شركائه الشويريين.
أخيراً، إذا تقدم الحريري أكثر في مشروعه، فستعلو صرخة عدد كبير ممن سيجري الاستغناء من دون شك عن خدماتهم، وسيعاد النظر في النفقات والرواتب، إلا أن الحريري يبدو الرابح الأكبر لأن مشروعاً كهذا سيمكّنه من الفوز أولاً بالمؤسسة اللبنانية للإرسال غير المصنفة رسمياً في خانة فريقه السياسي حتى الآن، وسيحكم قبضته، ثانياً، على وسائل إعلام 14 آذار كما أحكمها على هذا الفريق السياسي، وخصوصاً أن بعض وسائل الإعلام التي انبثقت من الجيب الحريريّ حرضت عليه في عدة استحقاقات سابقة بحكم التجاذبات بين مكونات هذا الفريق.