لَو دريان مسيو لودريان من ينتظره في لبنان، كان على الأرجح سيفضّل أخذ فرصة استجمام إلى جزر الباهاماس والاستفادة من الطقس الصافي، فيكسب سمرة لبشرته أو فضاوة بال وراحة، لأنّ من ينتظره في جزيرة لبنان مجموعة من التلاميذ السابقين، الذين لم يحبّوا في المدرسة سوى الفرصة، ومن السياسيين الحاليين الذين لا يلفتهم في المسؤولية سوى الاستجمام، وأكثر ما يبرعون فيه هو تسبيب وجع لرأس بلا دماغ.
مسيو لودريان، «Pardon» نحن لا نتكلّم الفرنسية بطلاقة، وكلّ ما حفظناه بضع كلمات من هنا وهناك لا تكفينا لنخبرك بلغتك عمّا نشعر به حقيقة ولنعبّر لك براحة من «Dictionnaire» (معجم) الشتائم والقرف والإشمئزاز، من هؤلاء الذين إتّضح بعد 6 أشهر أنّهم ليسوا أكثر من تكنوقراط عَ بْلاط.
وتلافياً للتجنّي على أحد، حاول في اجتماعاتك مع المسؤولين اللبنانيين، وقبل البدء في جلسات العصف الفكري عن تفاصيل الأزمة اللبنانية وخطط الخروج منها، حاول أن تأخذ لائحة الحضور والغياب، وستجد أنّ غالبيتهم «Absent» (غياب)… فعلياً «Absent» عن الكوارث الاجتماعية والمالية والاقتصادية والشرائية والمعيشية والبيئية التي يتخبّط بها اللبناني كلّ يوم. وإذا حاول أحد منهم، وبالتأكيد سيحاولون، فتح موضوع سدّ بسري، قل له سدّ بوزك، وأخبره أنّ تماديه في الاهتمام بالحجر قد حرق دين البشر، ويا ليته ينهمك بملء البطون الفارغة والسدود الفارغة قبل التباهي بالفكر التقدّمي الذي ينزّ من مخّ رجعي.
همّ بالتأكيد سيفاجئونك بمعلوماتهم الوافرة عن أشهى الأجبان الفرنسية، وأفخر أنواع النبيذ، وطريقة عمل الكرواسون والمدة المثالية لطهي الأسبيرج… وبالتأكيد، لن يتأخّروا عن إخبارك بالتفصيل المملّ عن عنوان المحلّ ومن أي «Arrondissement» في باريس ابتاعوا من عنده ثيابهم وأكسسواراتهم وعطوراتهم. أمّا عن وزاراتهم، وعن إنجازاتهم وأولوياتهم وإهتماماتهم، فتوقّع أن يسود صمت عظيم يسبق مطوّلات «Conjugaison» (تصريف) أفعال آخر 30 سنة، لتتأكّد أن ليس في لبنان مسؤول واحد يريد أكل العنب أو إطعامنا إيّاه، بل جميعهم يريدون قتل الناطور عن سابق تصوّر وتصميم، وبحقد دفين.
مسيو لودريان، أنت ضيفنا العزيز، ونحن مشهورون بكرم ضيافتنا، لكن رجاءً، حاول أن تجلب حاجتك معك من الـ«Tartines» لفترة زيارتك، لأننا نخاف أن تلبّي دعوة عشاء أو غداء وتتناول ما طاب لنا من المأكولات المنتهية الصلاحية والمسرطنة، التي لا نعرف مصادرها ولا نستطيع محاكمة صانع سمنّا وقاتلنا، لأنّه بلا شكّ لديه معارف ضمن المافيا الحاكمة وسيخرج منها مثل الشعرة من الـ«Farine».
مسيو لودريان، اطمئن منذ الآن، كلّ من ستقابله في هذه الدولة سيكون «مش دريان» بما يحصل في هذا البلد، و«مش دريان» بما يعانيه الشعب»، و«مش دريان» بأي خطّة تخصّ الخروج من الأزمات المتراكمة… ونحن أصلاً لا نعوّل كثيراً لا عليهم ولا على الذين سبقوهم لإيجاد الحلول، لأنّ أكثر ما برعوا فيه منذ 30 سنة هو الشحادة بإسمنا على أبواب الدول المانحة، حتى يسرقوها بإسمنا ويقفلوا أبواب رزقنا وأحلامنا وطموحاتنا.
مسيو لودريان، نتمنّى لك إقامة ممتعة في لبنان. وإذا كنت مصراً على الخروج بنتيجة، إسأل الذين سيستضيفونك عن أطول كلمة في اللغة الفرنسية، وستجدهم يتدافعون ليرفعوا إصبعهم من أجل الإجابة بـ«Anticonstitutionnellement» وأخذ «Bon Point» و«Gommette»… لكن رجاء أخبرهم، لأنّهم لا يعرفون، معنى هذه الكلمة التي حفظوها بجدارة ويطبّقونها بمهارة في كلّ مفاصل الدولة… أخبرهم أنّ أطول كلمة بالفرنسية تعني «بشكل غير دستوري»، وهي أكثر ما يطبّقونه في التعيينات القضائية والرسمية والدستورية، وهي أكثر ما يتلذّذون باستخدامه حماية لمزارعهم الطائفية… «Au revoire et merci».