نجاح مهمة وزير الخارجية الفرنسي مرتبط بقدرته على تسريع خطى تشكيل الحكومة
تتزامن زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان هذه المرة لإعادة انعاش المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة لبنانية جديدة بعد تعثر وتعطيل متعمد استمر لشهور عدّة، مع حدوث تطورات متسارعة على صعيد المنطقة والعالم، إن كان فيما يخص انطلاق المفاوضات المتسارعة والمعقدة بين الولايات المتحدة الأميركية والغرب مع إيران حول الملف النووي مع بروز سلسلة مؤشرات مؤاتية عن إمكانية التوصّل إلى اتفاق نهائي بشروط جديدة، أو بما يتعلق بظهور توجهات ومواقف ووساطات لإنهاء الخلافات بين المملكة العربية السعودية وإيران حول العديد من القضايا والتدخلات بالمنطقة.
فمنذ زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى لبنان بعد حادث تفجير مرفأ بيروت المأساوي منتصف الصيف الماضي للمرة الثانية وطرحه للمبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة لبنانية جديدة بعد استقالة حكومة حسان دياب في اجتماع بقصر الصنوبر وبدون حصوله على ضمانات إيرانية على مستويات رفيعة، كان يتردد في وسائل الإعلام وعلى لسان شخصيات سياسية وحزبية معروفة، ان «حزب الله» الذي وافق ممثله النائب محمّد رعد على المبادرة الفرنسية في اجتماع ممثلي الأطراف والقوى السياسية مع ماكرون، يعيق تشكيل الحكومة الجديدة مباشرة كما حصل بعد تكليف السفير مصطفى أديب بتشكيلها من خلال طرح شروط ومطالب تعجيزية ثم تولى فريق رئيس الجمهورية ميشال عون إعاقة وتعطيل مهمة الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة العتيدة بالتكافل والتضامن مع «حزب الله» برغم كل الادعاءات المخادعة لهذا الواقع، في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية واحتمال تبدل الإدارة الاميركية لصالح وصول الرئيس الحالي جو بايدن الذي تحبذ وصوله طهران بدلاً من الرئيس السابق دونالد ترامب الذي مارس أقسى الضغوطات ضد النظام الإيراني، على امل ان يوظف ملف تشكيل الحكومة اللبنانية في «بازار» الصفقة المحتملة لصالح إيران وعلى حساب لبنان كالعادة.
ما كان يتردد مواربة أو بشكل غير مباشر بخصوص التأخير المتعمد لتشكيل الحكومة، أصبح واقعاً مع انطلاق مسار المفاوضات حول الملف النووي واقتراب موعد توقيع الاتفاق – الصفقة الجديدة، استناداً إلى مؤشرات ومواقف تؤشر لذلك، إلا إذا طرأت متغيرات تعيق التوصّل إلى هذا الاتفاق وان كان ذلك مستبعداً، لحاجة كل الأطراف لإنجازه في أقرب وقت ممكن.
فريق رئيس الجمهورية تولى بالتضامن مع «حزب الله» إعاقة وتعطيل تشكيل الحكومة العتيدة
فهل ينسحب هذا التطور تسريعاً لتشكيل الحكومة الجديدة، أم سيبقى ملف التشكيل مؤجلاً لما بعد إنجاز الاتفاق وفتح صفحة جديدة بالعلاقات الدولية والعربية مع إيران؟
بالطبع، لا يمكن فصل زيارة الوزير لودريان إلى لبنان في محاولته شبه اليائسة لانعاش المبادرة الفرنسية عن هذه التطورات بالملف النووي ومحاولات تبريد الخلاف بين المملكة العربية السعودية وإيران لارتباط الوضع بلبنان في بعض جوانبها والتي تنعكس بشكل أو بآخر عليه، كما سائر الصراعات في بعض الدول العربية التي ترعاها وتمولها إيران. فمن المعروف ان وزير الخارجية الفرنسية الذي يتولى حالياً مهمة الملف اللبناني بتكليف من الرئيس الفرنسي، يسعى للاستفادة بمهمته من هذه التبدلات الإقليمية والدولية وكونه يتولى عن بلاده والدول المشاركة بالملفات في الملف النووي التحادث مع الجانب الإيراني لحلحلة العقد وإزالة التباينات القائمة بين كل الأطراف وتوظيف كل ذلك لإخراج ملف تشكيل الحكومة من حلقة التعطيل والصعوبات إلى تسريع ولادتها في أقرب وقت ممكن تفادياً لفشل المبادرة الفرنسية ومنع تداعياته على مستقبل الأوضاع بلبنان.
ولن تقتصر فرص تحرك رأس الدبلوماسية الفرنسية في مهمته لانعاش المبادرة الفرنسية من التطورات الدولية والإقليمية فقط، وإنما يستفيد من تلاقي مهمته من الموقف الأميركي الداعم لخطى تشكيل الحكومة اللبنانية والذي عبر عنه الموفد الأميركي دايفيد هايل بكل وضوح لدى زيارته الأخيرة للبنان، في حين تبرز توجهات الحكومة الروسية وتتلاقى مع المسعى الفرنسي لتشكيل حكومة اخصائيين تتولى مهمة حل الأزمة المالية والاقتصادية برئاسة سعد الحريري، وهو ما تم التوافق عليه بين الجانبين الروسي والفرنسي خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع المسؤولين الفرنسيين مؤخراً.
ولذلك، لم تكن المواقف التي أطلقها وزير الخارجية الفرنسي وانتقاله من التلويح إلى التهديد بفرض عقوبات فرنسية على السياسيين والمسؤولين اللبنانيين الذين يعيقون تشكيل الحكومة الجديدة هكذا مصادفة أو من هباء، وإنما قد تستند في بعض جوانبها إلى التبدلات والمتغيرات والمناخات الجديدة، في حين تعبّر هذه المواقف عن مدى الاستياء الفرنسي من التعاطي السياسي الداخلي غير المسؤول مع ملف تشكيل الحكومة الجديدة بشكل عام، مع تجاهل التفريق بين من يسهل عملية التشكيل ومن يعطلها عمداً، وهو ما يُشكّل ثغرة بالموقف الفرنسي لا بد من التنبه لها، لأنه لا يمكن مساواة كل الأطراف مع بعضها البعض لئلا تبقى الأمور تدور في حلقة مفرغة لا نهاية لها.
انطلاقاً من كل هذه الوقائع، لا تبدو مهمة الوزير الفرنسي سهلة هذه المرة أيضاً، إذا تجاهل الجهات السياسية التي تقف حائلاً دون تشكيل الحكومة الجديدة، وهي معروفة منذ البداية، ويسعى لعدم مصارحتها أو تجنّب مساءلتها عن أسباب تعطيلها لتشكيل الحكومة منذ البداية قبل أكثر من ستة أشهر، أو يحاول الضغط على الرئيس المكلف لتشكيل حكومة مستنسخة عن الحكومات السابقة، لتفادي فشل المبادرة الفرنسية، أو للحفاظ على مصالح فرنسا مع إيران وغيرها، وعندها سيكون مصير المبادرة التعثر مجدداً، لأنه لا يمكن تكرار أو استنساخ صيغة أي حكومة فاشلة مسبقاً لأن نتائج تشكيلها ستكون كارثية أيضاً.