بعد اجتماع رئيس وكالة التنمية الفرنسية في العلا جان إيف لودريان مع المسؤول عن الملف اللبناني في السعودية نزار العَلَولا الخميس، وتطرّق المحادثات بالدرجة الأولى الى الملف الرئاسي، يتساءل البعض في لبنان عن نتائج هذا اللقاء، وكيف يمكن صرفها في موضوع الاستحقاق الرئاسي؟ هذا اللقاء الذي هَدَف الى إعادة تحريك مهمّة سفراء “اللجنة الخماسية” في الداخل، لا سيما بعد تجديد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي دعوته الى التشاور في مجلس النوّاب لأيام معدودة لا تتخطّى الأسبوع، يتمّ خلالها التوافق على اسم مرشّح أو اثنين أو أكثر وقد يصل العدد الى عشرة مرشّحين، على أن يدعو برّي بعد التشاور الى جلسات مفتوحة بدورات متتالية مع تأمين النصاب القانوني لها، لكي يتمكّن مجلس النوّاب من انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، ورفضها سريعاً من رئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع.
مصادر سياسية مطّلعة كشفت أنّ محادثات لودريان- العَلولا، ناقشت ما يمكن أن تفعله كلّ من فرنسا والسعودية، ودول “الخماسية” في مسألة إيجاد مخرج ما لانتخاب رئيس الجمهورية اللبناني، أو على الأقلّ تسهيل هذا الانتخاب وتحضير الأرضية المناسبة له، وذلك تزامناً مع التقارب بين أميركا وقطر في ملفات عديدة، ولا سيما في الملف الرئاسي في لبنان، وملف الحرب في قطاع غزّة وسواهما. وطرح لودريان على العَلولا، بحسب المعلومات، مدى إمكانية أن تضغط السعودية على قوى المعارضة في لبنان، لا سيما على كتلة “الجمهورية القوية”، وتحديداً على جعجع للموافقة على مبادرة برّي التي سرعان ما كرّر رفضه لها، بعد مضي عام كامل على إعادة طرحها من قبل رئيس مجلس النوّاب.
أمّا الدعوة الى التشاور من قبل برّي التي أعاد طرحها في الذكرى الـ 46 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب، والصحافي عبّاس بدر الدين، فتجد المصادر أنّه لا يجب أن يكون لدى القوّات أي خشية من أن تُصبح عُرفاً. فالتشاور، أكان مُعلناً أم غير مُعلن، والذي يؤدّي الى التوافق الوطني، غالباً ما كان يجري أمام كل انتخاب لرئيس الجمهورية، كما لتعيين رئيس الحكومة ورئيس مجلس النوّاب. ومن دونه لم يكن ليُنتخب غالبية رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات في لبنان. ولهذا ستحاول السعودية الضغط على جعجع خلال المرحلة المقبلة عن طريق سفيرها في لبنان وليد البخاري، كما على رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميّل، وبعض نوّاب التغيير والمستقلّين، علّ الإجماع يتحقّق على الموافقة إمّا على مبادرة برّي أو على مبادرة تكتّل “الاعتدال الوطني”، اللتين تقربان من بعضهما بعضا.
كذلك ترى المصادر نفسها، بأنّ دعوة برّي الى التشاور لا علاقة لها بأخذ صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي لا تنتقص منها، سيما وأنّ الدستور نفسه لا يُعطيه هذه الصلاحيات، إنّما لمجلس الوزراء مجتمعاً في حال شغور المنصب الرئاسي لأي سبب كان. وفي الواقع يعيش لبنان أزمة واضحة في الحياة السياسية، ولكن وفق الدستور اللبناني، فإنّ رئيس الجمهورية لا يُمكن أن يأتي من دون تشاور (أو حوار رغم حساسية هذه العبارة لدى البعض)، بغض النظر عمّن يدعو إليه. فالنصاب القانوني الذي هو 86 نائباً لانتخاب الرئيس يعني أنّ التوافق بين الكتل النيابية هو الذي يُنتج الرئيس، وليس المواقف المتناقضة، ورفض الإجتماع والتشاور، وإلّا لكان نصّ الدستور على انتخاب الرئيس بالأغلبية المطلقة.
كذلك فإنّ برّي نفسه، وفق المعلومات، لا يزال يرفض الدعوة الى جلسة التشاور في مجلس النوّاب قبل حصول الإجماع الوطني عليها. وصحيح بأنّ “التيّار الوطني الحرّ” قد أبدى موافقته على هذه الدعوة، ولكن حتى الآن من غير المعروف الى أي حدّ سيذهب رئيس “التيّار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الى التوافق على مبادرة برّي، وليس على الجميع سوى الإنتظار. غير أنّ المعلومات تتحدّث عن لقاء مرتقب بين باسيل وبرّي لمناقشة هذه المسألة، ولكن لم يتمّ تحديد موعده حتى الساعة
وفي هذا الإطار، أكّدت المصادر السياسية ذاتها أنّ برّي ليس في وارد عزل أي طرف سياسي وتخطّي موقفه، لا سيما القوّات والكتائب اللذين يُمثّلان شريحة مسيحية وازنة في مجلس النوّاب. ولو أراد التصادم مع القوى الرافضة للتشاور لكان ذهب اليه منذ الدعوة الأولى إليه. ولهذا يعمل برّي اليوم، كما “الخماسية”، على تأمين الأرضية التوافقية المناسبة لانتخاب الرئيس، وإذ لم ينجحا فإنّ الأمور ستبقى على حالها الى حين تأمين التوافق، سيما أنّ أي فريق في المجلس النيابي الحالي لا يمكنه فرض رأيه على الفريق الآخر.
أما الإصرار على رفض مبادرة برّي، فليس الحلّ، بحسب رأي “الخماسية”، على ما نقلت المصادر عينها، بل يؤدّي الى المزيد من التشرذم والتشنّج السياسي في الداخل، في ظلّ المواجهات العسكرية الملتهبة عند الجبهة الجنوبية. ولهذا سيحاول سفراء “الخماسية” خلال الأسبوع المقبل، طرح مخرج ما، كأن يجري الضغط على قوى المعارضة للموافقة على إحدى المبادرات المطروحة، أو التوافق على لائحة أسماء لمرشّحين تصل الى عشرة مرشّحين، على ألّا يكون لدى أي طرف سياسي “فيتو” على أي منهم. غير أنّ سفراء “الخماسية” يعلمون سلفاً صعوبة النجاح في هذه المهمة.
كما أنّهم يُدركون أنّ “الطريق الى قصر بعبدا لا تمرّ سوى في مجلس النوّاب”، إلّا أنّها لا تزال حتى الساعة غير سالكة وآمنة لاعتبارات عديدة. لهذا جاء اجتماع لودريان- العَلولا للتباحث ومحاولة إيجاد مخرج ما للأزمة الرئاسية يكون قابلاً للتحقّق، ولإعادة تحريك عمل “سفراء الخماسية” بهدف الحفاظ على روحية اللجنة ومساعيها لتسهيل انتخاب رئيس الجمهورية. على أن تتبعه لقاءات أخرى بين سفراء “الخماسية” والقيادات اللبنانية خلال المرحلة المقبلة.