IMLebanon

دعوات فرنسية للإبتعاد عن «المستنقع» اللبناني!

 

 

 

لا يريد فرنسيون، من أهل الرأي والفكر، أن يخوضوا في الملف اللبناني، الذي يعتبرونه بمثابة مستنقع من الوحول الوسخة، تورط رئيسهم في الخوض بتفاصيله، بتسرع غير مبرر، ودون تبصر بعواقب فشل فرنسي جديد في لبنان، بعد الضربة الموجعة التي أصابت الرئيس شخصياً، إثر إجهاض مساعيه لمساعدة لبنان بعد كارثة المرفأ، حيث ضرب السياسيون اللبنانيون بوعودهم وتعهداتهم لماكرون عرض الحائط، غير عابئين بالمآسي التي يعيشها شعبهم منذ أكثر من ثلاث سنوات.

ثمة حذر واضح من نخب فرنسية لمهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في لبنان، نتيجة تعقيدات الوضع السياسي الداخلي من جهة، وعدم توافق شركاء باريس في اللقاء الخماسي من جهة ثانية، على التوجهات المبدئية للمساعي الفرنسية، وخاصة بالنسبة للخوض في أسماء المرشحين في السباق الرئاسي، حيث تتباين خيارات باريس مع كل من الرياض، التي يُصرُّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على عدم التدخل في الأسماء، أو تفضيل مرشح على آخر. ومع الدوحة التي تميل إلى دعم خيار قائد الجيش العماد جوزيف عون، متناغمة بذلك مع بعض أطراف الإدارة الأميركية، ومع القاهرة التي تُحبذ خيار العسكري الأول.

ويتساءل أصحاب هذا الرأي في العاصمة الفرنسية، عن إمكانية لودريان تخطي الخلافات المستعصية بين السياسيين اللبنانيين، والتي تحتدم وتتشعب يوماً بعد يوم، ومدى قدرته على تجاوز التباينات مع الشركاء الإستراتيجيين في الملف اللبناني، والتوصل إلى حل قريب لأزمة الإنتخابات الرئاسية، في هذا البلد الذي يُعاني من حالة عدم إستقرار مزمنة، بسبب تضارب مصالح الفرقاء السياسيين، وعدم إستعدادهم لتقديم التنازلات والتضحية بحساباتهم الفئوية والشخصية، لإنقاذ بلدهم من الضياع والهلاك، على حد قول أستاذ جامعي مخضرم.

الواقع أن كلام النخب الفرنسية يعكس حالة القرف واليأس السائدة في الإعلام الفرنسي من الأزمة اللبنانية، حيث بدأت بعض الأقلام تدعو إلى ترك مسافة بين باريس وبيروت، بعد الرفض المسيحي للمبادرة الفرنسية السابقة، وعدم تجاوب القيادات المارونية، الروحية والسياسية مع مساعي لودريان بتمرير إنتخاب فرنجية، وما يعني ذلك من تدهور مستمر في الأوضاع اللبنانية، لا يجوز أن تتحمل باريس وحدها مسؤوليته، بحجة فشل مبادرتها الرئاسية.

وجادت تطورات الأسابيع الأخيرة، وآخرها تهديد نواب الحاكم بالإستقالة، وإمكانية التمديد لسلامة سنة أخرى، ريثما يتم إنتخاب الرئيس العتيد، وتعيين حاكم أصيل للمركزي، لتدعم الداعين لإبتعاد الأليزيه عن النار اللبنانية، والإكتفاء بما حققته فرنسا من مكاسب إقتصادية كبيرة في لبنان، من خلال المشاركة في أول إستثمار لبناني في قطاع النفط والغاز، والإستحواذ على إدارة محطة الكونترات في مرفأ بيروت، وإعادة بناء وتجهيز مرافقه الحيوية الأخرى، فضلاً عن الإقتراب من الفوز بإدارة قطاع الإتصالات والبريد، بعد تعثر عملية إلتزام إنشاء المحطة الجديدة للمسافرين في مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي.

الواقع أن المشهد في بيروت يبدو وكأن ثمة سباق محموم بين مهمة لودريان وإستمرار الإنهيارات الداخلية، وفشل الدعوات المتكررة للحوار، وإستبعاد التوصل إلى «توافق ما» بين الكتل النيابية المتباعدة في خياراتها وحساباتها الرئاسية، الأمر الذي لا يترك مجالا للتفاؤل بنجاح سريع للديبلوماسي والسياسي الفرنسي المخضرم والذي يعرف جيداً التضاريس الوعرة للجغرافيا السياسية اللبنانية.

ولعل هذا المشهد بالذات كان أحد الدوافع الساخنة للموفد الفرنسي بالتوجه أولاً إلى الرياض والدوحة، بعد عودة وزيرة الخارجية الفرنسية من واشنطن، ليستطيع تكوين صورة حديثة عن مواقف دول اللقاء الخماسي، قبل العودة إلى بيروت في زيارة ثانية، من غير المستبعد أن تكون الأخيرة، في حال لم تتجاوب الأطراف الحزبية والسياسية، وكذلك الروحية المسيحية، مع مساعيه لتحقيق الوفاق المطلوب لتمرير الإنتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن.

والسؤال الأساس الذي يشغل المعنيين في لبنان: هل ستشمل جولة لودريان الخليجية العاصمة الإيرانية، لإستطلاع إمكانية فصل مفاوضات النووي بين طهران وواشنطن، والتي حققت تقدماً في عُمان، عن مسار الأزمة اللبنانية، وفك أسر الإنتخابات الرئاسية؟

الجواب بإنتظار ما ستحمله الأيام القليلة المقبلة!