غاب جان إيف لودريان المبعوث الرئاسي الفرنسي ثمّ عاد إلى لبنان أرض فشل كلّ المبادرات والمحاولات، ولا تصدّقوا أنّ هناك كوّة في جدار ولا ثغرة في الحائط اللبناني، كلّه يستقبله ويبتسم ويؤكّد له أنّه يريد التوافق الأمس قبل اليوم، ولكن الكلّ ومن دون استثناء يدركون أنّ اللعبة طويلة والوقت وتضييعه مريحٌ جدّاً أميركا على وشك الغرق في انتخاباتها الرئاسيّة والحرب الرّوسية ـ الأوكرانيّة بوابة إلهاء عالميّة وفشل الرئيس الرّوسي في حسمها منذ الأسبوع الأوّل يشي بأنّ هكذا حرب لا يمكن أن تنتهي بصيغة لا غالب ولا مغلوب لأنّها مسألة أحجام ثقيلة بين دولة كبرى تقاسمت العالم وأوروبا والمنطقة العربية مع الولايات المتحدة بعد الحرب العالميّة الثانية وكسر روسيا لا يعني إلا حرباً عالميّة ثالثة وحدهما الصين وكوريا الشمالية جاهزتان لهكذا أمر واقع ينفجر في هشاشة أميركا وأوروبا، الوقت في لبنان ليس له أي اعتبار وبناء عليه سيأتي ويذهب لودريان من دون أن يحرز أي تقدّم ولا تأخّر، فالحال سيبقى على ما هو عليه!
الأجواء في المنطقة ستكون مؤاتية جداً لمصلحة إيران، حتّى في إسرائيل زادها الله زعزعة الأوضاع لمصلحة إيران، حتى الحوار السعودي ـ الإيراني وعودة السّفراء لمصلحة إيران، الفراغ الدّولي الذي نعيشه لمصلحة إيران، ولكن لا تخافوا هذا لا يعني أن إيران ستستطيع ابتلاعنا ولا تغيير هويّتنا ولا تغيير النّظام اللبناني أثبت التّاريخ مراراً متعدّدة أنّ لبنان «دولة القناصل» وأصبح اليوم «دولة السّفراء» كلّ فريق له سفارته التي ترعاه ويأتمر بأوامرها ولا أحد يستطيع أن يغيّر حرفاً في نظام لبنان إلا متى توافق هؤلاء على صياغة نظام جديد، لذا مهما راوحت الأمور مكانها واشتدت الأزمات أو ترحرحت وراوحت مكانها تعرف إيران أنّ «إيد لوحدا ما بتزقّف» ولو ارتكب 70 مرّة 7 أيار جديد بل على العكس هكذا تفرط الأمور في يدها وتنتهي حكاية حزب الله ومقاومته أيضاً!
ومن المفيد أنّ الصورة اللبنانيّة الصيفيّة تؤكد للعالم الخارجي الذي طبّل وزمّر لانهيارنا وموتنا وغرق «تيتانيكنا» أصيب بدهشة أنّ هذا البلد حيّ حتى في عزّ أزماته واعتقاد موته شعبه مقبلٌ على الحياة والعيش بشكل لا يُصدّق، الصيف اللبناني الحارق يوزع المصطافين والمغتربين واللاجئين والنازحين يجدون لهم مكاناً تحت شمسه ، ثمّة مثلٌ نافعٌ جداً «كل حجرة إلها أجرة» وعند كلّ نبعة مي وعين وشلال وبحيرة ونهر عشرات الاستراحات والمقاهي حتى في الأحراش تجد الأشجار تحتضن العائلات الفقيرة التي لا تملك إلا حصيرة والقليل من الطّعام تجد متعتها في هكذا قعدة، فلا تحاصرونا بالحسد والتساؤل «من وين معهن مصاري»؟!
ما ينتظره لودريان من جولاته بعيد المنال أمامه شهور طويلة وربما تصل إلى سنوات، ليس هذا بجديد على اللبنانيّين ولا على الدّول التي ترعى مصالحها في صندوق بريدهم، سيذهب ويعود كثيراً وقد يُستبدل بمبعوث سواه، وقد يكثر المبعوثون في يوميّاتنا، الحلّ ليس في انتخاب رئيس للجمهوريّة تجربة إنتخاب العماد ميشال عون أكبر مثلما لم يكن الحلّ في الإنتخابات النيابيّة، الحلّ دائماً يُفرض من الخارج، ولكن من سوء حظّنا أنّ هذا الخارج لم يعد لبنان يهمّه ولو بمقدار ذرّة!