حال من الضياع سادت في اليوم الثاني لزيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، تمظهرت تحديداً في ما قاله وليد جنبلاط «ندعم مبادرة (الرئيس نبيه) بري …وندعم مبادرة لودريان»! حاول لودريان «اقناع» التغييريين «بحوار بري»، وحذّرهم «إمّا الحوار أو خطر وجودي على لبنان». وفي حارة حريك قال «الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الوضع الحالي في الموضوع الرئاسي». أثار موضوع النازحين الذي يهدد لبنان جدياً ومسألة بناء الدولة، واعتبر أن مدخل الحل لكل ذلك هو الحوار.
لم يحمل لودريان جديداً إلى «حزب الله»، ولا إلى الإشتراكي أو «التيار الوطني الحر» ومفاوضاته مع التغييريين كانت سلبية. ظهر أنّ الوضع لا يزال على حاله. يؤيد حوار رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي دعا إليه بالتنسيق مع الفرنسيين، وكرّر المقولة الثابتة أنّه «لا» لترشيح سليمان فرنجية و»لا» مماثلة لترشيح جهاد أزعور وليتم طرح مرشحين آخرين أو الاتجاه صوب الحوار، واقترح انعقاد مجلس النواب في جلسات مفتوحة من دون أن يقدم الآليات العملية لذلك أو يوضح المقصود.
عقب اللقاء الذي جمعهما لم يلمس رئيس «التيار» جبران باسيل أنّ الموفد الرئاسي يحمل أبعد من التأكيد على دعوة بري للحوار، وقال صراحة إنّ ترشيح فرنجية لم يعد قائماً. تمنى عليه باسيل إصدار بيان واضح في ختام جولته يعلن فيه حواراً لا تتعدى مهلته الأسبوع، وبرنامج عمل يقتصر على بند واحد، ومحور واحد هو الرئاسة أي الاسم والبرنامج، وأن يكون الحوار بين متساوين وليس في مقر رئاسة رئيس المجلس، وليس من الضروري أن يكون مركزه مجلس النواب، ولو أن لا ضير في ذلك. تقول المصادر إنّ لودريان وافق على البند الأول بينما بقي الخلاف قائماً على نقاط أخرى أساسية هي تلك المتعلقة بشكل الحوار ورئيسه حيث يصرّ «التيار» على أن يقتصر على رؤساء الكتل النيابية، فيمثل كل رئيس كتلة كتلته وحزبه السياسي.
تلقى لودريان خلال جولته ضربتين، تمثلت الأولى في البيان الصادر عن السفارة الفرنسية الذي يتحدث عن أنّه يسعى إلى اتمام مهمته الأولى التي كان بدأها خلال زيارتيه الأخيرتين، وهو ما فسّر على أنه انعكاس للخلاف الدائر بين الإليزيه والمخابرات الفرنسية حول المرشح الرئاسي في لبنان. تزكّي الإليزيه مرشحاً بالتحاور مع «حزب الله» وبالتفاهم معه بينما ترفض المخابرات الحوار من أجل الرئاسة وتؤيد وصول مرشح آخر غير مرشح «حزب الله» وتزكّي وصول قائد الجيش جوزاف عون، وتعارض مسعى لودريان.
أمّا الضربة الثانية فتمثلت في الإجتماع المقرر اليوم بين الموفد الفرنسي والنواب السنة في دارة السفير السعودي وليد البخاري، فهمه البعض على أنّه دعم سعودي لجهود لودريان، وأنّ المملكة ليست ضد مبدأ الحوار، وفسره آخرون على أنّه يؤشر إلى وجود كتلة نيابية سنية موحدة تتماهى مع قرار المملكة وتوجهاتها وقد تتحول إلى بيضة قبان في الاستحقاق الرئاسي متى حان موعده. وهذه رسالة برسم «حزب الله» والمسيحيبن بأنّ أي اتفاق يجرى من خارج بيان «الخماسية» لن يكتب له النجاح، وأنّه لا مبادرة فرنسية، بل «مبادرة الخماسية».
نقطة ثالثة يمكن تسجيلها على درجة من الأهمية، بنصيحة لودريان جميع من التقاهم موافاة بري إلى حواره، وأبلغه الثنائي أنّ فرنجية كما أزعور خرجا من نادي المرشحين، فهل يعني ضمناً أن دور فرنسا مساعدة الثنائي على الخروج من ترشيح فرنجية وفتح الحوار حول مرشح آخر؟ وكأنّ الكلام الجدي قد حان وقته مع سقوط ترشيح فرنجية وموافقة الثنائي الفرنسيين على فتح حوار على أساس أن لا فرنجية ولا أزعور على جدول الترشيحات، ومعناها أيضاً تفاوض «حزب الله» مع الشريك المسيحي أي «التيار الوطني» على مرشح آخر.
يغادر لودريان خالي الوفاض، إلا من تهديد بأن الوضع في لبنان لم يعد يحتمل مزيداً من المراوحة. زكّا طرح رئيس المجلس، فجاء الجواب من قوى المعارضة وعبر وسائل التواصل الإجتماعي بهجوم عنيف ورفض قاطع. انطباع «حزب الله» بنتيجة مداولته مع الموفد الرئاسي الفرنسي تقول إنّه لا حوار قريب ولا جلسات نيابية ولا رئاسة.
يغادر لودريان واعداً بالعودة بعد فترة قصيرة وبناء عليه أرجئ الحوار الذي يعدّ له بري حتى أواخر ايلول الجاري، ليكون حاضراً، وريثما ينتهي اجتماع اللجنة الخماسية الذي سيُعقد على هامش اجتماعات نيويورك.