IMLebanon

من القرنة السوداء إلى مدينة الأشباح.. بأي مهمِّة يعود لودريان: رئيس مدخل أو مخرج؟

 

 

 

على مدى أيام متطاولة، امتدت من الأربعاء الماضي الى نهاية أسبوع عيد الأضحى المبارك، نسي اللبنانيون ضغط مناكفات الطبقة السياسية، ومواقف «الإرشاد والتوجيه» عند رئيس هذا الحزب او ذاك او هذا التكتل او ذاك، فضلاً عن المسؤولين، كباراً كانوا أم صغاراً، وكاد الإستحقاق الرئاسي أن يصبح نسياً منسياً، مع تقدُّم انشغالات أخرى، تنتمي إلى دورات العنف في المناطق، على خلفية نزاعات قديمة، لم تقتصر على لبنان، بل امتدت إلى البلد الأوروبي، الذي يقف وحيداً معانداً، مع لبنان، لمساعدته في الخروج من الأزمة التي لا تعرف سبيلاً لأن تضع أوزارها..

فمن القرنة السوداء في الشمال البعيد، ومقتل شابين من بلدة بشري، برصاص قناصين مجهولين، انتهى الأسبوع، ليبدأ أسبوع من الأمن المتفلِّت الذي أفسد على الناس الآمنين فرصة إقتناص موسم السياحة، الذي يدرُّ أموالاً طائلة من العملة الخضراء (الدولار) الى باريس عاصمة، الأناقة والسياحة في العالم، التي تحولت الى مدينة أشباح، على خلفية احتجاجات شمال أفريقية، على خلفية مقتل شاب مراهق، يزعم شرطي أرداه قتيلاً أنه لم يمتثل للأوامر، لتندلع موجة احتجاجات وانتقامات طالت مئات وربما ألوف السيارات المركونة في الشوارع أو المواقف المفتوحة، او التي يمكن للعنصر المحتج أن يصل إليها، ليحطم ما يقدر عليه و يشغل النيران، قبل أن تصل إليه يد الشرطة، أو عناصر مكافحة الشغب..

أتاح موسم الاصطياف الواعد، أمام  اللبنانيين مع الإجراءات الميسَّرة في مطار بيروت الدولي وحنين المنتشرين في قارات الإغتراب ودوله من أوستراليا الى أوروبا، فالخليج العربي في العودة لرؤية ذويهم، والتمتع بموسم مختلف بكسر رتابة الهجرة، وضغوطات المجتمع الصناعي الغربي، وعبء الضرائب، والانفلات من دوامة الروتين القاتل، بعيدا عن روح الإلفة، والإستمتاع بالفرص التي يوفرها موسم الصيف، خصوصاً في بلد المناخ المعتدل، حيث هنا، وهنا فقط تصحُّ مقولة «صيف وشتاء» تحت سقف واحد..

عوامل عدَّة جعلت من الصيف اللبناني واعداً، ومفتوحاً على آمال قد تكون قيد التحصيل في غضون شهري تموز وآب، قبل عودة الوافدين من لبنانيين وعرب وأجانب الى البلدان والقارات التي جاؤا منها.. من الأمن الى الحنين، الى رفض الاتفاق بالنسبة لحامل العملة غير الليرة، سواء أكانت من العملات العربية، أو الأوروبية من اليورو، وصولاً الى الدولار الأميركي والكندي والاسترالي، وربما الينّ الياباني وغيره.. فضلاً عن احتفالات بعلبك وصور وجبيل وبيت الدين..

في الصيف هذا، بدا الإستحقاق الرئاسي خارج السمع.. واستمر الإنشغال، المرشح للإرتفاع مع اقتراب الإستحقاقات المتعلقة بإحالة هذا الموظف الكبير أو ذاك الى التقاعد أو انتهاء الخدمة، سواء في ما خصَّ رياض سلامة حاكم مصرف لبنان، الذي يحزم حقائبه الى مغادرة المكان الذي قضى فيه عقوداً من الزمن، متربعاً على عرش مملكة الإقتصاد الحر، والهندسات المالية، وكشف المستور، مع انهيارات العملة الوطنية، وانهيار الرواتب والمعاشات بما يتجاوز 98٪، فضلاً عن احتجاز ودائع اللبنانيين، وجنى أعمارهم التي تقدر بما لا يقل عن 9 مليارات دولار أميركي..

يغادر سلامة المصرف، مخلفاً تركة ثقيلة من التحديات: من مشاريع الدمج المصرفي الى الكابيتال كونترول، وصيرفة، الدولار الأميركي، والتعاميم ذات الصلة بالحسابات والودائع والسحوبات وما شاكل.

وبانتظار جلاء أمر  ما تضمنه التقرير الصادر عن شركة التحقيق أو التدقيق الجنائي في حسابات المصرفي، ومدى مسؤولية الحاكم وكبار الموظفين، فإنه الحدث النقدي والمالي، سواء في ما يتعلق «بصيرفة» أو تسعيرة الدولار، مع عملية شبه الثبات في سعر الصرف، الى ما هو أقل من مائة ألف ليرة، التي كانت إذا ما أضيف اليها خمسة آلاف ليرة، تعادل 70 دولاراً.

هنا تتقدم انشغالات السياحة، وهناك حسابات التدقيق والدولار وإدارة المصرف المركزي، حيث ينظر الموارنة بريبة الى انتقال الادارة المؤقتة الى شخصية من غير طائفة (شيعي) عملاً بقانون النقد والتسليف، الذي ليس بإمكان أحد القفز من فوق نصوصه، وفي مكان آخر، ثمة ترقيات وانتظارات لمحاكمة أو قرار قضائي..

وحدها بكركي، تنتظر عودة موفد الرئيس ايمانويل ماكرون على أحر من الجمر، لتعرف الى ما سيؤول إليه الوضع على جبهة الإستحقاق الرئاسي او ملء الشغور في سدة الرئاسة الأولى..

لا أحد بإمكانه التنبؤ أو التوقع خارج مسار الأحداث فالوقائع.. وإن كان المناخ السائد يوحي بمرحلة طويلة، من المراوحة، فإن التحولات الجارية على مستوى العالم والإقليم مرشحة بصورة جدّية بترك انعكاساتها المباشرة على المشهد اللبناني،  سواء من باب المصالح ذات الصلة بالاستثمار في مجالات البنى التحتية أو إعادة الاعمار او مجالات الطاقة والتكنولوجيا، وما يُعرف بالتنمية المستدامة، أو من باب الجيوبوليتكا، والوظائف التي يمكن ان يقدمها البلد المرشح للتعافي، في ظل تركيبة قيادية ليست من الماضي، ولا تمت بصلة الى ما اصطلح على تسميته «بالمنظومة» بأحزابها وتكتلاتها النيابية أو تياراتها العاملة في الحقل العام.

هنا يبدأ البحث الجدّي عن مشروع مخرج للأزمة الرابضة على أرض لبنان، بكل شؤونها وشجونها، وحسناتها وويلاتها، فالرئيس مفتاح للدخول إلى مقر الأزمة، لا للخروج منها، وهذا ما يفترض ان يدركه لودريان موفد ماكرون المتخبط بأزمات من نوع آخر..