IMLebanon

زيارة لودريان..مفاجآت الدعم والحياد!

 

كشفت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان السريعة إلى بيروت حجم حالة الإرباك والعجز التي تعيشها السلطة، حكم وحكومة، بمواجهة أخطر الأزمات التي عرفها لبنان في تاريخه الاستقلالي، في المجالين الاقتصادي والسياسي.

 

اقتصادياً، حمل رئيس الديبلوماسية الفرنسية معه ما يمكن اعتباره «خريطة طريق» لإنقاذ بلد الأرز من مسلسل الانهيارات المتتالية، والتي تُنذر بأسوأ الكوارث الاجتماعية والاقتصادية في حال استمر غياب المعالجات الناجعة.

 

خرج كلام «الصديق الفرنسي» من العموميات، وكاد أن يكون أكثر وضوحاً، وأدق تحديداً، من كلام المسؤولين اللبنانيين أنفسهم، عندما كرّر في أكثر من مناسبة، بأن المطلوب أولاً تنفيذ الإصلاحات التي تعهد بها لبنان في مؤتمر سيدر، ونحن على استعداد لإعادة تفعيل قرارات المساعدة التي أُقرّت في المؤتمر. وأن ما حصل في قطاع الكهرباء حتى الآن يُعتبر غير مشجع، وثمة خطة للكهرباء قدمها لبنان لمؤتمر باريس-٢، عام ٢٠٠٢، يجب تنفيذها، لوقف النزف الراهن في هذا القطاع.

 

المفارقة الغريبة، أن المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، بدأوا أحاديثهم معه وكأن الورشة الإصلاحية انطلقت وقطعت شوطاً مرموقاً، وأن المطلوب هو دعم فرنسا للجهود اللبنانية للحصول على المساعدات الفورية المطلوبة لمتابعة تنفيذ الإصلاحات… «الوهمية»! الأمر الذي أكد مرة أخرى، أن الواقع المتردي في البلد، ومعاناة الناس المتزايدة في وادٍ، واهتمامات المسؤولين وحساباتهم في عالم آخر!!

 

ويبدو أن الوزير الفرنسي أدرك فداحة العجز الداخلي على قيادة المسيرة الإنقاذية إلى شاطئ الانفراج، فركّز في محادثاته مع الرؤساء الثلاثة على أهمية الإسراع في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والاتفاق على خطة إنعاش اقتصادي ومالي سريع، قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة.

 

وإذا كانت الإصلاحات هي المدخل لاستعادة الثقة بقدرة الدولة اللبنانية على التصدي لمكامن الفساد، والحد من الهدر والإنفاق غير المجدي، فإن اعتماد مبدأ الحياد من الصراعات المشتعلة إقليمياً ودولياً في المنطقة، هو المدخل لولوج مرحلة المساعدات الفورية من أبوابها العريضة، عربياً وغربياً.

 

سياسياً إذن، لم يتوانَ وزير الخارجية الفرنسي عن تأييد مبادرة البطريرك الماروني في إعلان حياد لبنان عن المحاور المتواجهة في الإقليم، وما تقتضيه هذه الخطوة من تحرير الشرعية والقرار الوطني من الحصار المفروض عليها، في إشارة واضحة إلى نفوذ حزب الله على مفاصل القرار في الدولة، وهيمنته على إدارة دفة اللعبة السياسية.

 

وإذا كان التأييد الفرنسي لحياد لبنان متوقعاً، فإن زيارة الوزير لودريان انطوت على مفاجأتين من العيار الثقيل!

 

المفاجأة الأولى، ابتعاده عن إجراء أي لقاء مع حلفاء فرنسا التقليديين من قوى «١٤ آذار»، بخلاف ما كان يحصل سابقاً في مثل هذه الزيارات لمسؤولين فرنسيين، على اختلاف مستوياتهم. وإذا كان عامل الوقت داهماً لتفاصيل الزيارة، فكان من الممكن تنظيم لقاء جامع في منزل السفير الفرنسي، على غرار ما كان يحدث في السنوات الأخيرة.

 

أما القول بأن الوزير الفرنسي تجنب اللقاءات بقوى سياسية على علاقة مميزة مع باريس، تفادياً للإحراج، بعد إلغاء اللقاء الذي كان مقرراً سلفاً مع وفد من حزب الله، فيبقى من صنف «العذر أقبح من الذنب»، نظراً لتفاوت العلاقة، العلنية على الأقل، بين فرنسا والقوى السيادية، بالمقارنة مع العلاقة الملتبسة مع حزب الله.

 

وثمّة من يعتبر أن اللقاء الفرنسي مع الحزب تم بشكل غير مباشر، من خلال زيارة لودريان إلى أحد مراكز مؤسسة «جبل عامل» في الضاحية الجنوبية، ومضمون الكلمة التي ألقاها رئيس المؤسسة د. كامل مهنا بحضور الزائر الفرنسي، والتي تُقارب وجهة نظر الحزب من مسألة الحياد، حيث تطرق إلى وجود اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان، والذين يشكلون عقبة أساسية في اعتماد مبدأ الحياد، وذلك على النحو الذي ورد في ردود الحزب وحلفائه على طرح سيد بكركي.

 

ويبقى السؤال: لماذا تجاهل رئيس الديبلوماسية الفرنسية لقاء قوى «١٤ آذار»، هل بسبب تشرذمهم الحالي، أم تسليماً بضعف دور هذه القوى في اللعبة السياسية بالمقارنة مع تصاعد نفوذ حزب الله وحلفائه في صناعة القرار الرسمي؟

 

أما المفاجأة الثانية، فكانت بإعلان الدعم المالي السخي لمؤسسات تربوية ومدارس غلب عليها لون طائفي واحد، سواء بالنسبة لمدارس البعثة العلمانية الفرنسية، أو المدارس الكاثوليكية. في حين غاب الاهتمام الفرنسي كلياً عن توفير أي دعم للمدرسة الرسمية، التي تجمع الطلاب اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم، وفي مختلف مناطقهم، والتي تُعتبر بأمسّ الحاجة للدعم، لأنها تواجه ضغوطاً متزايدة في ارتفاع عدد الطلاب بسبب الضائقة المالية التي تُمسك بخناق الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، وعجز الحكومة اللبنانية عن تأمين الاحتياجات المالية اللازمة.

 

جاءت الخطوة الفرنسية العرجاء لتُعيد إلى الذاكرة مشهد فرنسا «الأم الحنون» لبعض اللبنانيين، وليس لكل لبنان!