Site icon IMLebanon

باريس تُلدغ من “حلاوة الممانعة” مرّتين!

 

 

أنهى الموفد الفرنسي جان إيف لودريان مهمّته. فالديبلوماسي المخضرم زار لبنان للإطّلاع على الأجواء والتأكيد أنّ «فرنسا موجودة»، ويعلم عدم القدرة على تحقيق أي خرق في ظل التمترس الداخلي الحادّ وانسداد الأفق الإقليمي والدولي. وتظلّ المحاولات الجارية تدخل في إطار المحاولة بسبب عدم قدرة باريس على التأثير على صُنّاع القرار. كان أكثر المراهنين على زيارة لودريان يعلم أنّ هذه المهمة هي تذكيرية فقط، فلم يحمل الموفد الفرنسي أي جديد أو يقترح حلولاً أو يحاول ابتكارها، كل ما فعله هو الاستماع إلى الكتل والقادة السياسيين دون القدرة على تغيير مواقفهم.

 

تعيش فرنسا صراعاً يتمثّل في عدم التعامل المنطقي مع لبنان والأزمة اللبنانية. فهي تحاول التوفيق بين عاطفتها حيال لبنان، ومصالحها مع إيران ومعارضة قسم كبير من اللبنانيين سياسة طهران في بلدهم. وفي المقابل تبحث عن دور في الشرق الأوسط وتعتبر لبنان بوابة هذا الدور. من استمع إلى كلام لودريان، خصوصاً الأطراف المعارضة والوسطية، أدرك أنّ الرجل تأثّر بـ»حلاوة» اللقاءات التي عقدها مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي و»حزب الله»، حتى خرج متبنّياً نظرية ترؤّس برّي جلسات الحوار أو التشاور كما سمّاها، وهذا ما لا ترضى به المعارضة.

 

حاولت إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ أكثر من عام إرضاء طهران و»حزب الله» ودخلت في صفقة إيصال مرشح «الثنائي الشيعي» رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، ووظّفت كل طاقاتها من أجل هذا الهدف، وتفاءلت بقدرتها على القيام بهذا الدور، وعملت بجدّية ولم تُعِر المسيحيين أي اعتبار وركّزت على إرضاء إيران و»حزب الله»، واعتبرت تبنّي مرشح «حزب الله» يُسهّل إتمام الإستحقاق الرئاسي.

 

إصطدمت باريس حينها بحائط صدّ مسيحي ووطني، وسقط تفاؤلها بإتمام انتخاب رئيس مقابل أن يكون رئيس الحكومة من الفريق المعارض، بحائط مسدود وفشلت. وبعد بناء تفاؤلها على معطيات غير دقيقة، ها هو لودريان بالأمس يفاجئ من يلتقيهم باقتناعه بإيجابية «حزب الله» والرئيس برّي. خرج لودريان من الإجتماع مع «الحزب» متفائلاً ومعتبراً نفسه أنه حقّق إنجازاً، فاللجنة الخُماسية تعمل منذ أشهر على فصل استحقاق رئاسة الجمهورية عن حرب غزة، وبمجرد أن قال له «الحزب» لا مانع لدينا من انتخاب رئيس قبل إنتهاء الحرب، اعتبر الدبلوماسي الفرنسي أنه حقّق خرقاً في مكان ما، ونقل هذا الموقف إلى بقية الكتل.

 

سقط من حسابات لودريان أن «حزب الله» بارع في السياسة والمراوغة، فهو لن يصدّه أو يقول له موقفه الحقيقي، ولو كان فعلاً موقف «الحزب» كما نقله لودريان لكان الرئيس انتخب، وافتتح الزائر الفرنسي جولته بزيارة رئيس الجمهورية المنتخب، وكان جدول أعمال الزيارة يتركّز على بنود غير بند الاستحقاق الرئاسي.

 

أجهض «حزب الله» وبري كل جلسات الانتخاب السابقة بتعطيل النصاب، ومن ثمّ فرملا إندفاعة مبادرة تكتل «الإعتدال الوطني»، ولم يعلنا حتى هذه الساعة تخلّيهما عن مرشحهما، وما زال «الحزب» يقاتل في الجنوب ويتّبع سياسة ربط الساحات، ولا تزال الإشارات السلبية تأتي من طهران، ولم يتبدّل موقف «الممانعة» في سبل التعامل مع الملف اللبناني، وبالتالي تفاؤل لودريان من موقف «حزب الله» ليس مبنياً على أساسات صلبة، بل تأثّر بكلام «الحزب» و»حلاوة طرف اللسان».

 

لا تستطيع دولة مثل فرنسا تُعتبر صديقة تاريخية للبنان وتحاول لعب دور إقليمي عبر الإتحاد الأوروبي وتتمتّع بحق النقض في مجلس الأمن الدولي، بناء سياستها على معطيات غير موجودة، بالطبع الحراك الفرنسي مهم لأنه يُبقي ملف الرئاسة اللبنانية في دائرة الأضواء، لكن تفاؤلها بانتخاب رئيس عندما تبنّت مرشح «حزب الله» سابقاً، من ثم رهانها على كلام «حزب الله» يدل على أن هذه الدولة لُدغت من «حلاوة» طرف لسان «الممانعة» مرّتين… وتُكمل وكأنّ شيئاً لم يكن.