IMLebanon

هل مهَّد هوكشتاين لمهمّة لودريان؟

 

فيما كان الجميع ينتظر عودة جان إيف لودريان، حطَّ عاموس هوكشتاين في بيروت، حاملاً دعوات إلى السلطة و«حزب الله» للتفاوض مجدّداً حول الترسيم. وبالتزامن، حضر أيضاً وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان. وإذ تجنّب الأميركي والإيراني أي لقاء، كما جرى التأكيد، فإنّهما أطلقا عن بُعدٍ إشارات سياسية ذات مغزى. وسأل البعض: هل أرادا «القوطبة» على مهمّة «المتعهِّد» الفرنسي، أم على العكس، مهَّدا الطريق لنجاحها؟

في الأيام الأخيرة، بدت الصورة في لبنان مقلوبة. فالفرنسيون دخلوا في سجالات غير متوقّعة مع طهران، فيما كان الأميركيون «يغازلونها» من المنصّة اللبنانية، من الروشة إلى بعلبك.

 

اتخذ الفرنسيون موقفاً متشدّداً، يجارون فيه واشنطن، في ملف التجديد لـ«اليونيفيل»، فيما أطلق الرئيس إيمانويل ماكرون انتقاداً لإيران مثيراً للجدل، خصوصاً في توقيته، إذ وجّه دعوة إلى طهران كي ترفع يدها عن لبنان، ما استدعى ردوداً إيرانية بقيت «ناعمة»، تجنّباً لأزمة في العلاقات لا أحد يريدها.

 

عكف المراقبون على استكشاف خلفيات الموقف الذي أطلقه ماكرون. البعض يعتقد أنّه جاء لإرضاء الأميركيين الذين يستفزهم انفتاح فرنسا الواسع على «حزب الله». وتالياً، سعى الفرنسيون إلى استمرار حصولهم على ثقة واشنطن في لبنان، وتأمين تغطيتها لدورهم كوسيط.

 

لكن البعض لا يستبعد أن يكون ماكرون قد أراد أيضاً التشويش على «الغزل» الضمني الجاري بين واشنطن وطهران، والذي يُترجَم أحياناً كثيرة بصفقات مفاجئة، على مستوى العلاقات الثنائية والتفاهمات التي تصوغها الولايات المتحدة مع حلفاء إيران في الشرق الأوسط.

 

ولعلّ الصفقة الأكثر إثارة للفرنسيين في الفترة الأخيرة هي إطلاق طهران لسجناء أميركيين مقابل إفراج واشنطن عن أرصدة بستة مليارات دولار كانت محتجزة في كوريا الجنوبية. ففي مقابل هذه الصفقة، وعلى رغم السعي الفرنسي المستمر إلى تنمية العلاقات مع طهران وحلفائها في المنطقة، وأبرزهم «حزب الله»، فإنّ الإيرانيين لم يستجيبوا للمناشدات الفرنسية المتكرّرة بإطلاق السجناء الفرنسيين في طهران.

 

 

القراءة السياسية لهذه المعطيات هي أن تَقاطُع المصالح بين الأميركيين والإيرانيين أقوى بكثير من حسن النيات الذي يراهن عليه الفرنسيون لتدعيم رصيدهم لدى طهران. ففي الواقع، يستفيد الأميركيون من الدور الفرنسي «الناعم»، المقبول لدى الجميع. ففي رأيهم، لا بأس من وجود هذا «المتعهد» الذي يأخذ على عاتقه ورشة التفاصيل، ويتقاضى حصته من الأرباح بدل أتعابه، لكن الأميركيين مطمئنون دائماً إلى أنّ الصفقات الكبرى مع طهران لا تمرّ إلاّ عبرهم وبموافقتهم، كما جرى في اتفاق ترسيم الحدود البحرية.

 

وكذلك، يقدّر الإيرانيون حرص فرنسا على علاقات جيدة بهم، وهم لذلك يوافقون على اضطلاعها بدور الوسيط في بعض الأزمات الإقليمية، ومنها لبنان. لكنهم في المقابل لا يبرمون الصفقات إلاّ مع الولايات المتحدة. فالصفقات لا تُبرم مع الوسطاء أو الوكلاء بل مع الأصيل.

 

ولطالما انتظر الفرنسيون أن تتعاطى طهران معهم مباشرة، وأن يبرموا معها صفقة رابحة، لكن الإيرانيين كانوا دائماً يبرمون الصفقة مع الولايات المتحدة مباشرة لا مع فرنسا، لأنّها قادرة على إيفائهم الأثمان المطلوبة، وهو ما لا تستطيع فرنسا تأمينه.

 

وعلى سبيل المثال، في صفقة ترسيم الحدود البحرية، خريف العام الفائت، الأميركيون هم الذين صنعوا الإنجاز، فيما أُعطيت فرنسا بعض الأرباح، بامتياز قيادتها للكونسورتيوم الذي سيتولّى عملية الاستخراج.

 

واليوم، يدرك هوكشتاين أنّ الفكرة الجديدة التي يطرحها، أي التفاوض على ترسيم الحدود براً، تستلزم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات. ولهذا السبب، سيكون مناسباً دعم وساطة لودريان وتأمين الفرص لنجاحها. ففي النهاية، عندما تحين لحظة التسوية، سيلجأ الجميع إلى واشنطن كي توفّر التغطية اللازمة لها، فتصبح قابلة للتنفيذ.

 

وثمة من يقول إنّ الصفقة الكبرى بين الولايات المتحدة وإيران، التي تشمل التوافق على الملف النووي ونفوذ طهران الإقليمي، باتت شبه منجزة. لكن الجانب الإيراني يؤخّر توقيعها رغبةً منه في استثمار انغماس الجميع في حرب أوكرانيا، وربما هو ينتظر انتهاء ولاية الرئيس جو بايدن لتحقيق مكاسب إضافية، بعدما انتظر في السابق انتهاء ولاية دونالد ترامب.

 

إذاً، بعد أيام، سيأتي لودريان إلى بيروت محاولاً إطلاق الحوار بين القوى الداخلية على انتخاب رئيس للجمهورية وإنتاج تسوية سياسية داخلية متكاملة. ولكن، في الخلفية، سيكون قرار الأطراف الداخلية بدخول الحوار أو مقاطعته مرهوناً بطرفي الصراع الأساسيين، الولايات المتحدة وإيران.

 

يعني ذلك أنّ نجاح مهمّة لودريان ممكن إذا سبقتها تفاهمات بين هذين الطرفين. وأما إذا كان مناخ الانتظار هو السائد، فمعنى ذلك أنّ لودريان سيتعذب كثيراً على خط باريس- بيروت قبل أن يتعب وينصرف نهائياً عن مهمّته، ويتفرّغ للمهمّة المكلّف الإشراف عليها، ضمن مشروع الإنماء والتحديث في المملكة العربية السعودية.