قبل أيام على عودة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، إن صحّت التكهنات بأنّه سيكون في بيروت في 11 الجاري، ما زالت «المعلومة المفيدة» حول الآلية التي سيعتمدها مفقودة. ولذلك، بقيت الساحة مسرحاً للسيناريوهات التي أحاطت دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الحوار والاستعدادات القطرية للتدخّل بنحو أكثر وضوحاً في الاستحقاق الرئاسي. وهو ما جعل مهمّة لودريان بين السندانين انتظاراً لما يؤكّد صحة هذه المعادلة الجديدة.
باستثناء المدّعين بالاطلاع على الكثير من الأسرار ومحاضر الجلسات قبل انتهائها احياناً، لم يتجرأ اي مصدر سياسي او نيابي او ديبلوماسي ان يعطي أي انطباع حول زيارة لودريان، طالما انّه لا يمتلك أي إشارة فرنسية رسمية من أي مصدر كان حول خططه المستقبلية وطريقة تعاطيه مع التطورات الناجمة عن حصيلة مشاوراته التي يجريها بعيداً من الاضواء مع نظرائه ممثلي أطراف «لقاء باريس الخماسي»، وما انتهت اليه الاستمارات الـ 38 التي وجّهها إلى النواب اللبنانيين في غياب أي تقرير حول عدد الذين تجاوبوا مع مبادرته، على وقع سلسلة الانتقادات اللاذعة التي وُجّهت اليها وطاولت شكلها ومضمونها ومغازيها، من دون ان يصدر اي ردّ يوضح الظروف والدوافع التي قادته اليها وما أراده منها.
تزامناً طرحت المصادر السياسية والنيابية والديبلوماسية عينها، مجموعة من علامات الاستفهام حول ما أراده بري من مبادرته المتجددة بالدعوة الى حوار الايام السبعة، وما تليها من «جلسات متتالية» لانتخاب الرئيس، طالما انّه لم يترجم خطابه بعد بالخطوة «الإلزامية» المؤدية الى توجيه «كتاب الدعوة» الى رؤساء الكتل النيابية والنواب المستقلّين الذين قصدهم، يحدّد فيه موعد الحوار وجدول اعماله وآلية التجاوب معها، الى ما هنالك من مستلزمات المبادرة لتكون مكتملة الأوصاف القانونية والدستورية. ولذلك فهي ما زالت تخضع للملاحظات المختلفة تكريساً للفرز القائم حولها، والتي وضعت من اعتبروا انفسهم معنيين بها على لوائح مختلفة، ما بين المتحفظ والرافض والموافق بشروط متعددة، والمدافع عنها باللغات والملاحظات عينها التي واجهت دعوته السابقة وبقيت في إطارها النظري.
والى هذه الملاحظات، التي حفلت بها الايام الاخيرة منذ ان أطلق بري مبادرته، وفي انتظار توضيح ما، يصدر عنه او توجيه «الدعوة» الرسمية الى الحوار لإنهاء الجدل القائم حول بعض المصطلحات والعبارات التي استخدمها، ومنها حديثه عن «جلسات انتخاب متتالية» وليس عن «جلسات مفتوحة» تلي الجلسة الاولى للانتخاب، وعدم إشارته الى استمرار تبنّي ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، والأسباب التي جعلته يتراجع عن تردّده بتوجيه مثل هذه الدعوة الى حوار يُعقد برئاسته، بعد تحوّله «طرفاً» لمجرد تأييده ترشيح فرنجية، تعززت الروايات المتعددة الوجوه حول مدى الترابط بين هذه الدعوة وما كشف عنه لودريان عندما أنهى جولته الثانية في بيروت نهاية تموز الماضي، بالتعبير عن نيته الدعوة الى ما سمّاها «Table De Travail» والتي ترجمها اللبنانيون بـ «طاولة عمل» تمتد ليومين او ثلاثة على الاكثر، على ان تنتهي بالدعوة التي يوجّهها بري إلى جلسة لانتخاب الرئيس.
والى هذه الملاحظات المتصلة بمبادرة بري في شكلها وتوقيتها بعد سنة على نسختها الاولى، فقد أسقطت على الساحتين السياسية والديبلوماسية رواية حديثة قيل انّها جدّية، تتحدث عن تحرّك قطري غير مسبوق، بقي تحديد موعد انطلاقه رهناً بما يمكن ان يرافق وتنتهي اليه زيارة لودريان أياً كانت نتائجها، وهي تقول بطرح مباشر يتجاوز حديث «الخماسية» عن مواصفات الرئيس المطلوب دولياً او على الاقل لدى «الخماسية»، توصلاً الى البحث في الأسماء بطريقة تهدف إلى مواجهة ذيول استمرار فشل اللبنانيين في اختيار رئيسهم. على خلفية «قلّة الجرأة» لمقاربة الحديث عن مرشحين توافقيين جدد وطرح أسمائهم في خطوة تشكّل آخر المراحل المؤدية الى وضع حدّ لمرحلة الفراغ الرئاسي وإنهاء تردّدات هذه المرحلة الخطيرة.
وعلى هاتين المحطتين المتصلتين بمصير دعوة بري إلى الحوار وما يمكن ان تعبّر عنه قطر في عقب التحاق سفيرها فوق العادة ابن العائلة الاميرية بمركز عمله في بيروت، يتوقف مصير مبادرة لودريان في ظلّ الغموض الذي يكتنفها. فالسفير الفرنسي الجديد العائد من باريس بعد مشاركته في مؤتمر سفراء فرنسا في العالم، لم يبلّغ أياً ممن التقاهم في جولته البروتوكولية بعد، أي جديد يتصل بمصير مهمّة لوريان وموعد وصوله، مؤكّدا انّه ينتظر كما اللبنانيون هذا الموعد ليعمّمه على من يعنيهم الأمر من المهتمين.
وعليه، فإنّ حال الترقّب تبقى هي الطبيعية ليُبنى على ما يمكن ان يقوم به لودريان أي موقف يمكن ان ينتهي اليه المدعوون إلى لقائه. وكل ذلك جرى وسط معلومات بدأت تتسرّب عن مضمون بعض الاجوبة التي وصلت الى السفارة الفرنسية لجهة بروز بعض المواقف المتناقضة بين أبناء من يعتقدون أنّهم صفاً واحداً او كتلة واحدة. علماً انّ احصاء بعض الأجوبة عبّر بثقة عمّا قصده لودريان من عدد رسائله الـ 38، واختياره أسماء محدّدة ليوجّه اليهم رسالته من خارج كتلته النيابية القديمة منها والمُحدثة. ذلك انّ من بينها من سجّل خرقاً لافتاً لكتل اعتقد البعض أنّها صلبة ومتماسكة، كما بالنسبة الى كتلة النواب التغييريين، عدا عن خرق آخرين من النواب ممن وقّعوا على عريضة النواب الـ 31 الذين انتقدوا بشدّة مضمون اسئلة لودريان ورسائله بكل وجوهها، ورفضوا الاجابة عنها، قبل ان يغيّروا مواقفهم بين ليلة وأخرى بحجة «الاستقلالية» او «من باب اللياقة» طالما انّه تلقّى رسالة «مهذبة» و»لائقة» من الموفد الفرنسي، ويمكنه ان يضمّها الى أرشيفه الشخصي.
على هذه الخلفيات، وانتظاراً لما يمكن ان تنتهي اليه هذه المواقف وتطوراتها، والتي يمكن ان تبرز بين لحظة وأخرى، يبقى الرهان قائماً على اعجوبة ما تحدث خرقاً في الجدار السميك الذي يقف حائلاً دون جلسة انتخاب الرئيس. علماً انّ الجدل لا يقف عند هذه الملاحظات، فهناك من يشكّك بإمكان ان يوجّه بري الدعوة الى الحوار بمن حضر، في مواجهة آخرين قالوا انّه ولما رفض ترجمة دعوته السابقة لحوار، كانت الكتلتان المسيحيتان رافضتين للخطوة، أما اليوم فالوضع مختلف لمجرد ترحيب كتلة «لبنان القوي» بها، لكن ما يدفعه الى التردّد مردّه الى البحث في الشروط التي واكبت الموافقة، لعلها اخطر من ملاحظات رافضيها على صراحتهم، وهو امر لن يطول ليظهر على حقيقته. فيذوب الثلج ويبين المرج، ليتظهّر كثير من الحقائق التي تدفع الى الحيرة بمدى تأهّل القادة اللبنانيين لإدارة المرحلة بقدراتهم المتوافرة والذهنية المعتمدة.