IMLebanon

بطاقة حمراء في وجه لودريان

 

 

سيصل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت ليجد أنّ الأبواب مقفلة في وجهه. فهل ارتكب الرجل خطأ معيناً فاستحق هذه العقوبة، بعدما كان موضع ترحيب الجميع لفترة طويلة؟

عندما عقدت اللجنة الخماسية اجتماعها الأخير في مقر السفارة الاميركية في عوكر، وحدّدت نهاية أيار الجاري موعداً «نهائياً» لتسوية يتفق عليها اللبنانيون، كانت تعرف أنّ تلبية هذا الطلب لا تمتّ إلى الواقعية بصلة. فالملف السياسي الداخلي يراوح بين استحالتين: هناك طرف يمتلك القدرة على فرض التسوية، لكنه لا يريدها حالياً، وهو «حزب الله». ويقابله طرف عاجز عن فرض التسوية لكنه يريدها في أي لحظة، وهو المعارضة. وبين هاتين الاستحالتين، يدور البلد في حلقة مفرغة.

 

«الحزب» لا يجد اليوم مصلحة في الموافقة على تسوية لسببين:

 

– أولاً، لأنّ أي تسوية ستؤدي عملياً إلى فكّ ارتباط الجنوب بغزة، وتنسف مبدأ «وحدة الساحات» الذي تتمسك به إيران وحلفاؤها.

– ثانياً، لأنّ التسوية التي يُجمِع عليها أركان الخماسية، ويدفع إليها الأميركيون والفرنسيون والسعوديون بقوة، لا تناسبه. فهي تقوم على تعويم القرار 1701 في الجنوب، ما يعني سحب سلاح «الحزب» إلى ما وراء خط الليطاني. وهذا التنازل لا يمكن أن يقدّمه إلّا إذا حصّل أثماناً وازنة في المقابل. كما ستقضي أي تسوية داخلية ببناء سلطة سياسية «متوازنة»، وإعادة بناء المؤسسات بالتوافق بين كل الأطراف، أي أن يتمّ اختيار رئيس للجمهورية يرضى عنه الجميع وحكومة تتبنّى برنامجاً يحظى بموافقة داخلية وخارجية.

 

لكن «الحزب» الذي نجح في العام 2016 في إيصال مرشحه ميشال عون إلى الرئاسة من دون عناء، عندما كانت المواجهة السياسية أقل حدّة بكثير، لا يجد نفسه مضطراً اليوم إلى التنازل والموافقة على مرشح «وسطي»، فيما هو يخوض مواجهة دموية شرسة في الجنوب، ويسعى إلى «تأمين ظهره» برئيس وحكومة له في الداخل. ولذلك، إنّ طرح «الخيار الثالث» الذي تقترحه اللجنة الخماسية لا يُرضي «الحزب» بالتأكيد، ولذلك، هو لا يمكن أن يمنح الضوء الأخضر لمرجعيات السلطة كي تعمل في هذا الاتجاه.

 

إذاً، حتى إشعار آخر، ستبقى أقنية التسوية مسدودة، في الجنوب وفي الداخل. ولا أفق لا لزيارة لودريان الحالية، ولا طبعاً للطرح الفرنسي بتنظيم حوار لبناني ـ لبناني في باريس. والدليل هو الصمت المطبق الذي يلتزمه الأميركيون من خلال عاموس هوكشتاين الذي يعرف أنّ أي حراك ديبلوماسي في بيروت، في ظل المعطيات القائمة، لن يثمر، وأنّ من الأفضل الرهان على تسوية في غزة أولاً.

 

وثمة من يعتقد أنّ الفرنسيين يشاركون واشنطن اقتناعها بأنّ إيران لن تفرج عن الحل في لبنان ما لم تطمئن إلى دورها في غزة، لكن الفارق هو أنّ الولايات المتحدة تستطيع أن توقف تحركها في لبنان، وأن تعود إليه ساعة تشاء، ويبقى مكانها محفوظاً، لأنّ أحداً لا يستطيع صناعة التسويات من دونها. وأما فرنسا فهي مضطرة إلى مواصلة التحرك لبنانياً بلا انقطاع، لئلا تخسر موقعها.

 

يهمّ إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون إفهام الجميع، ولا سيما منهم أركان الخماسية الآخرين، أنّ لبنان هو البقعة الشرق أوسطية شبه الوحيدة التي تمتلك فيها موقعاً تاريخياً مميزاً، منذ أن «صنعت» حدوده الحالية ورعت ولادة جمهوريته قبل قرن من الزمن، وأنّها لن تتخلّى عن هذا الامتياز ولو اضطرت إلى تدوير الزوايا دائماً وتغيير أولويات الشراكة بين الطوائف: من الموارنة في العام 1920 إلى السُنّة مع الرئيس رفيق الحريري مطلع تسعينات القرن الفائت، وصولاً إلى مغازلة الشيعة بعد صعودهم إلى قمة السلطة والنفوذ، في العقدين الأخيرين.

الطرح الفرنسي بإقامة حوار لبناني ـ لبناني في باريس سيرفضه «الحزب»، وسيعبّر الشريك في «الثنائي»، الرئيس نبيه بري عن هذا الرفض أيضاً، فيصبح شيعياً شاملاً، ما يجعل الحوار الموعود مستحيلاً.

 

ولذلك، كل ما يريد أن يفعله الوسيط الفرنسي في جولته الجديدة هو القول: «نحن هنا». وتشبه فرنسا، في مبادراتها اللبنانية، سائق الدراجة المجبر على تحريك العجلات في استمرار، لئلا تجمد في مكانها، فتفقد الدراجة توازنها وتنقلب. وبذلك، يصبح الهدف من المبادرة الفرنسية الحالية هو المبادرة في ذاتها وليس التسوية، لعلّ عاملاً جديداً يدخل المعادلة، بدءاً من غزة. وعندئذٍ، يكون لكل حادث حديث.