Site icon IMLebanon

زعيم «المستقبل» ينقل مقر «القيادة» إلى بيروت

زعيم «المستقبل» ينقل مقر «القيادة» إلى بيروت

العودة الثانية للحريري: طمأنة الجمهور وترسيم حدود الحوار

مهما كانت الفوارق محدودة بين إقامة سعد الحريري في «منفاه»، وبين هبوط طائرته في مطار رفيق الحريري الدولي ليكون بين ناسه، ولو بشكل مؤقت، لناحية التأثير النوعي على مسار التطورات في البلد، فإنّ جمهوره سيصوّت للخيار الثاني حتماً.

يطالب هؤلاء بالحضور الجسدي للشيخ بعدما استنفدوا «الطاقة» المستمدة من إطلالاته التلفزيونية والسكايب والبيانات المكتوبة… التي لا تطعم خبزاً. ولا بدّ له أن يكون شريكاً في كل شاردة وواردة تحصل داخل «بيته».

هو يعي جيّداً أنّ الجلوس على كرسي رفيق الحريري البيروتي، له كلفته وأثمانه الباهظة مادياً ومعنوياً، إلى جانب التحديات الأمنية التي تنخر في رأسه وتدفعه إلى أن يعدّ للألف قبل أن يستقل طائرة الإياب. ولكن لا خيارات كثيرة أمامه، إذ لا بدّ من أن يكون سعد الحريري في بيروت كي تنتظم ساعة مَن حوله، إن على مستوى الكتلتين النيابية والحكومية اللتين تحولتا إلى «دكاكين مزايدات»، أو على مستوى التنظيم المتفلت من الرقابة المركزية ورعايتها، أو على مستوى الشارع الملتهب والمتروك لقمة سائغة لـ»دواعش السياسة والسيوف».

ولهذا طبعاً، كانت اللقاءات المباشرة مع قيادييه أول مهمة ينفذها الرجل على أرض الوطن، بعد الوقوف على منبر 14 شباط. وها هو ميشال عون يحصد أولى «ثمار» العودة الثانية من خلال إنعاش عروق التواصل المباشر مع «الرقم الأول» في «تيار المستقبل»، من دون المرور بفريق ثالث أو رابع…

وما يضفي أهمية استثنائية على وقوف «ولي الدم» خطيباً في ذكرى استشهاد والده، بالنسبة لناسه، هو أنّ هذا اليوم مسجل في الروزنامة الزرقاء على أنّه العودة السياسية الفعلية لسعد الحريري إلى بيروت لتكون مقرّ «القيادة العامة».

فالعودة الأولى أتت ترجمة للمبادرة السعودية لدعم الجيش اللبناني إثر أحداث عرسال في آب الماضي، فيما بطاقة السفر الثانية هي التي تؤشر إلى أنّ «الشيخ» نقل طاولة القرار من الرياض إلى بيروت، من دون أن يعني ذلك أنّه قرر الاستقرار نهائياً في «عاصمة الأرز»، ولكن مجرد أن تكون المبادرة ذاتية نابعة من اعتباراته الشخصية، فهذا يثبت أنّ ثمة سلوكاً جديداً قرر الرجل اعتماده.

طبعاً، لا يُنتظر من سعد الحريري أن يكون قد حمل معه عصا سحرية تمكنه من استعادة لحظة تتويجه زعيماً مطلقاً على الشارع السني بين ليلة وضحاها، أو أن يغيّر المشهد اللبناني فيزيل الألغام عن طريق القصر الرئاسي بمجرد أنه صار حاضراً بالجسد، أو حتى أن ينفض الفوضى عن تياره ومحيطه ببعض الاجتماعات والتوجيهات.

بالنسبة لناسه، إنّ البصمة الأهم التي سجلتها العودة الثانية، تجلت في الخطاب الذي ألقاه في «البيال» والذي كان الهدف منه توجيه رسالتين أساسيتين: الأولى لجمهور «تيار المستقبل» والثانية لـ«حزب الله».

كان لا بدّ بنظر هؤلاء من طمأنة القواعد الشعبية الحريرية بأنّ مائدة الحوار القائمة مع «حزب الله» لن تبتلع ثوابت «تيار المستقبل»، والجالسون على هذه الطاولة لن يدفعهم المدّ الحواريّ إلى تقديم تنازلات تمسّ بالمبادىء الأساسية. وهذا التوضيح ما كان ليشفي غليل مؤيديه، لو لم يخرج عن لسان الشيخ بذاته.

عملياً، أراد «نجل الشهيد» أن يؤكد أمام الجمهور بالصوت والصورة، اللذين يُسجّلا عليه للتاريخ والزمن، أنّ الحوار ليس معاهدة استسلام لـ«حزب الله»، مهما رشّ الرئيس نبيه بري من بهارات وأطايب تضفي بعض المذاق الحلو على الأطباق المقدمة على مائدته.

أما الرسالة الثانية فكانت موجهة إلى «حزب الله» من باب ترسيم حدود الحوار القائم بينهما، وبأن بند تنفيس الاحتقان الذي يفترض أنه الطبق الأساس، لا يغلق الباب أمام مسائل أخرى لا تقل أهمية وشأناً بالنسبة لـ«المستقبل». كان لا بدّ أن يقولها سعد الحريري بالفم الملآن: هذا سقفنا الذي لا يمكن أن نتجاوزه، وهذه لائحة هواجسنا التي نرفض أن نقزّمها.

أما ما عدا ذلك، فلا يبدو أنّ ثمة تغييرات جذرية قد تنتج عن وجود سعد الحريري في بيت الوسط، إن لناحية التعامل مع الحكومة أو مع البرلمان.. أو لجهة تحديث وسائل التنسيق داخل الكتلة النيابية أو الكتلة الوزارية، حيث يؤكد «المستقبليون» أنّ الآليات القائمة تفعل فعلها وهي لا تشكو من خلل بنيوي يحتاج إلى تدخل مباشر من رئيس الحكومة السابق، سواء كانت مقر إقامته بيروت أو الرياض…