IMLebanon

زعيم «المستقبل» يجري خلف النصاب.. ولكن

تتكدّس المؤشرات تباعاً لتؤكد أن عودة سعد الحريري هذه المرّة الى بيروت، لا تشبه تلك التي سبقتها حين غادر البلاد تحت جنح الصمت من دون تحديد موعد لطائرة الإياب. لهذه الجولة اعتباراتها الكثيرة التي دفعت بالشيخ المغترب الى مراجعة حساباته مراراً وتكراراً قبل أن يقرر نقل مقر إقامته من الرياض الى بيت الوسط ليدير شؤون جمهوره وناسه عن قرب.

هي الخشية من سحب البساط من تحت قدمَي الزعامة الموروثة والتي كانت تغطي بعباءتها معظم الشارع السني، وإذ بالتفلتات والتشققات تحوّل «البيت الأزرق» منازل كثيرة قد تهدّد مع الوقت «البنيان المستقبلي» وتعرّض دعائمه وأساساته للسقوط. وقد تبيّن للمحيطين برئيس الحكومة السابق أنّ كلفة العودة ستكون أقل بكثير من أكلاف الغياب، فكان لا بدّ من تغيير الاستراتيجية حتى لو لم تكن هذه «العودة» على متن الملايين الموعودة.

ولهذا بدا الحريري مدجّجاً بجرعة زائدة من النشاط، سواء في لقاءاته السياسية أو في تجواله على طول الخارطة اللبنانية لتفقد «رعاياه» وطمأنتهم بأنه لن يتخلى عنهم ولا يريد منهم في المقابل التخلي عنه. بالنتيجة، ثمة ثابتة واحدة سجلها الرجل حتى اليوم على دفتر ثوابته وهي اقتناعه بأن بقاءه خارج الأراضي اللبنانية قد يؤدي به مع الوقت الى البقاء خارج اللعبة السياسية.

اما غير ذلك فلا يبدو أن الرجل بصدد تحقيق الكثير من الإنجازات في ما يتصل بالرئاسة، أقله في المدى القريب، وتحديداً في جلسة 23 الحالي. يقول بعض المتابعين إنّ حركة الرجل بهذ الشأن، ومذ وطأت قدماه مطار رفيق الحريري الدولي، أوحت بأنه على قناعة تامة بأنّ انخراطه في مستنقع الرئاسة قد يكون حاسماً بمعنى قدرته على فرض متغيرات أو قواعد نهائية من شأنها أن تبدّد الغيوم من سماء قصر بعبدا لتعيد له «الرئيس الضائع».

بمعنى آخر، تدلّ حماسة سعد الحريري لانتخاب رئيس للجمهورية وكأن المعوقات داخلية بحتة أو كأنّ الضغط الذي يمارسه لرفع منسوب المشاركة النيابية في جلسات الانتخاب لتخرق جدار النصاب القانوني، هو الذي سيفعل فعله لاختيار خلف للرئيس ميشال سليمان.

يوحي الرجل بأنّ المعادلة بسيطة جداً ولا تحتاج سوى لبعض المجهود من جانبه لوقف عداد الشغور وترفيع سليمان فرنجية من رتبة مرشح جدي الى مرتبة رئيس للجمهورية، بمجرد تحميس النواب على المشاركة في جلسة الانتخاب ليكتمل عقد النصاب وتصبح جلسة الانتخاب متاحة «بمن حضر»، فيصار الى انتخب البيك ويُنفض الغبار عن الكرسي المخملية.

ولعل المرونة التي يبديها الرئيس نبيه بري من خلال مشاركة كتلته النيابية في الجلسات وعدم التماهي مع كتلة «حزب الله» و «تكتل التغيير والإصلاح» وبقية الحلفاء من قوى «8 آذار» في قرار المقاطعة، هي التي تزيد القناعة في ذهن زعيم «تيار المستقبل» بإمكانية كسر الجمود وترسم سيناريوهات متفائلة عن قرب عودة النبض الى الحياة الدستورية.

حتى أنّ المنفذ الضيق الذي تركته «القوات» بعد تفاهم معراب من خلال عدم تخليها عن مبدأ المشاركة في جلسات الانتخاب كواجب دستوري للنواب، مع أنّ الحذر ينتاب المتحمّسين للعماد ميشال عون من عقد جلسة انتخابية «تهريبة» قد تحوّل المزح جدّاً، هو الذي يترك فسحة أمل في حسابات سعد الحريري بإمكانية فرض نصاب قانوني وعدم الاكتفاء بجلسات الفولكلور الشهرية.

هكذا، يعتقد الرجل أنّ بإمكانه تدشين عودته بمهرجان سياسي يعيد الحياة الى القصر الجمهوري، فيكون هو خليفة تمام سلام في السرايا الحكومية. ويظنّ أنّ كل التحوّل في المشهد اللبناني سيحصل فور انغماسه في الزواريب اللبنانية، ليكون هو «ساحرها المنتظر».

هكذا يتعامل الآخرون معه على أساس استعجاله تغيير المعادلة اللبنانية من باب ملء الشغور ووضع حدّ للشلل. حتى رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» مقتنع أنّ سعد الحريري يريد السلطة بأي ثمن، وقد يضطره الأمر الى الانقلاب على تفاهمه الباريسي مع سليمان فرنجية، ليعود الى مربع التفاهم الأول مع الرابية لتكون منقذته من صفة «عاطل عن الموقع».

ولكن حتى اليوم، يبدو أنّ سعيه وراء تأمين نصاب قانوني بسلطة الأمر الواقع دونه عقبتان أساسيتان: أولاهما محاذرة الرئيس بري تأمين هذا الشرط لتكون الجلسة دستورية وقانونية في ظل رفض «حزب الله» لهذا الخط الأحمر ربطاً بموقف الجنرال ميشال عون. وثانيتهما ممانعة سليمان فرنجية أيضاً، ولو أنه المرشح المطلوب انتخابه في جلسة كهذه، عن المشاركة في الجلسة إذا ما كانت الضاحية الجنوبية لا تزال على موقفها.

هذا ما لمسه الحريري «لمس الأذن» حين سأل البيك الزغرتاوي عن موقفه أو حتى حين زار الرئيس بري مستفسراً، حيث تبيّن له أن جلسات الحشد النيابي لا تكفي لانتخاب رئيس للجمهورية، لأنّ هذا القرار لا يحصل الا بالتفاهم بين مختلف المكوّنات السياسية، وليس على طريقة كسر قرار المقاطعين بعضلات المشاركين في الجلسات.

مع ذلك، يعتقد الرجل أنّ الضغط باتجاه بلوغ سقف النصاب القانوني أو ملامسته، بإمكانه تحريك المياه الراكدة ودفع المتبارين الى البحث عن مخارج جدية تأتي برئيس للجمهورية وتقفل باب الشغور للسنوات الست الآتية.