من حظي انني كنت من المقربين الى المغفور له الزعيم الوطني الرئيس سليمان فرنجية رحمه الله.
وكان حظي أيضاً كبيراً لأنني كنت من أصدقاء الشهيد طوني بك فرنجية وكنا نذهب الى دمشق معه مرات عديدة، وكثيراً ما كانت الرحلة مع قائد «سرايا الدفاع» شقيق الرئيس المرحوم حافظ الاسد العقيد رفعت الاسد.
جلسات لا أنساها وصداقة ثابتة مع الشهيد طوني بك والعقيد رفعت كانت تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، كان العقيد رفعت يعتبر المرحوم طوني بك بمثابة شقيقه، وكان دائماً خائفاً عليه.
ويحضرني هنا انه في أحد أيام صيف العام 1976 وكنت مع عائلتي في مصيف بلودان (وهي من أجمل قرى سوريا)، قرع الباب ليلاً وكان صديقي مستشار الوزير (ولا أريد أن أذكر اسمه حرصاً على الأوضاع) قال لي إنّ الشهيد طوني بك يريد أن يستدل على منزل العقيد رفعت هنا في بلودان، غادرت البيت واستقللنا السيارة مع طوني بك وتوجهنا الى منزل العقيد رفعت، واستمرت الزيارة ساعتين، ثم غادرنا… فقال لي طوني بك: اركب معي في السيارة… وكان معنا العقيد رفعت وتوجهنا الى دمشق، والمسافة قريبة لم يستغرق الوصول أكثر من 35 دقيقة، وتوجهنا الى القصر الجمهوري في المهاجرين… دخل طوني بك والعقيد رفعت الأسد الى القصر وبقيت أنا والمستشار الصديق بانتظار انتهاء اللقاء الذي جمع طوني بك ورفعت مع الرئيس الراحل حافظ الأسد… ودامت المقابلة ساعة ونصف الساعة، توجهنا، بعدها، كل واحد في سبيله.
وحاولت أن أسأل طوني بك عن اللقاء فأخبرني انه »كان قد طُلب مني الاجتماع مع رئيس وزراء إسرائيل على ظهر بارجة في البحر قبالة شاطئ جونيه، لكنني رفضت، وأعلمت الرئيس حافظ الأسد فكان جوابه: لقد أصبحت خائفاً عليك لأنك أصبحت اليوم تجاهر بعدائك لإسرائيل، خصوصاً أنّ هناك اجتماعاً قد حصل بين رئيس الحكومة الاسرائيلية وبعض الزعماء المسيحيين« (ولا أريد أن أذكر أي اسم وأظن أنّ هذا معروف من الكثيرين).
فعلاً، بعدها بسنتين وبعد مجزرة إهدن التي ذهب ضحيتها الشهيد طوني بك تذكرت الرحلة ذات ليلة من بلودان الى دمشق!
كذلك أتذكر انني كنت قد أجريت حديثاً وكان آخر مقابلة مع الشهيد طوني فرنجية وذلك قبل استشهاده بيومين.
لا أريد أن أنكأ الجراح بل أريد أن أتوجه من كل قلبي بتحية كبيرة للزعيم الوطني سليمان بك فرنجية ابن الشهيد طوني بك فرنجية وحفيد المغفور له الرئيس سليمان فرنجية وحبيبه.
وبهذه المناسبة أريد أن أقول إنّ هذه المصالحة التي عُقدت أمس في بكركي جاءت لتؤكد أنّ هذا البيت، بيت فرنجية، هو بيت وطني كبير لا يمكن إلاّ أن تكون مصلحة لبنان هي هدفه، وأظن أنّ جينات الزعيم الوطني الكبير الرئيس سليمان فرنجية انتقلت الى ابنه الشهيد طوني بك الذي كان من الزعماء المميزين بوطنيته وصدقه وجرأته وحبّه للبنان واحترام الرئيس حافظ الأسد له.
وبهذه المناسبة أيضاً لا بد من أن أذكر كيف دعا الزعيم سليمان بك جميع أهالي الشهداء في مجزرة إهدن الى المنزل الذي قتل فيه الشهيد الكبير طوني بك ومعه المرحومتان زوجته ڤيرا وإبنته جيهان التي كانت طفلة، ولم ينج إلاّ الوزير الزعيم الوطني سليمان الذي كان موجوداً في الرابية في منزله جدّه.
الشيء الثاني المهم الذي أريد أن أذكره ما قاله لي صديق وزميل عزيز إنّ رسالة البابا في مطلع العام الحالي أعلنت هذه السنة «سنة الغفران»، وأظن أنّ الزعيم الوطني سليمان بك من حيث يدري أو لا يدري توجّه الى المصالحة علماً أنّ الغفران لا يصدر إلاّ عن الكبار الكبار.
والزعيم سليمان بك أثبت أنه زعيم كبير إذ استطاع أن يسامح ويغفر ويطلب من أهالي شهداء مجزرة إهدن أن يغفروا ويسامحوا لأنّ مصلحة الوطن ومصلحة المسيحيين تقتضي المصالحة وختم هذا الجرح المزمن.
عوني الكعكي