IMLebanon

أي صنف من الحكام في لبنان..؟

 

نتائج زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل قد تكون مخيّبة للفرنسيين، ولكنها بالتأكيد محبطة، أضعافاً مضاعفة، بالنسبة للبنانيين الذين رحبوا بزيارتي الرئيس ماكرون إلى بيروت في فترة قياسية، وعلقوا الآمال الكبار على جهوده ومبادرته، لوضع البلد على سكة الإصلاح والإنقاذ.

 

كانت صدمة الزائر الفرنسي كبيرة وهو يسمع ترهات السياسيين اللبنانيين، وأعذارهم السخيفة لتبرير التعثر الحاصل في تأليف الحكومة، دون وجود حد أدنى من الشعور بالمسؤولية تجاه ما تعانيه البلاد من أزمات وإنهيارات، وتداعياتها المدمرة على اللبنانيين الذين سقطت الأكثرية الساحقة منهم تحت خط الفقر، فيما أجيال الشباب تُيمم وجوهها إلى الخارج، بحثاً عن إستقرار مفقود في الداخل، وسعياً لحياة كريمة لم تعد موجودة في الوطن.

 

من حق اللبنانيين أن يتساءلوا بكثير من الغضب والقهر، عن أي صنف حكامهم وسياسيّيهم من البشر، الذين لا يتحسسون معاناة شعبهم، ولا يسمعون خوار الجوعانين، ولا يشعرون بآلام الملايين من البطالة والفقر والمرض، ويتجاهلون إحباط الأجيال الشبابية، التي تعيش فصولاً موجعة من مآسي هجرة الكفاءات والأدمغة، ولا يهتمون إلا بمصالحهم وصفقاتهم!

 

من حق اللبنانيين أن يتساءلوا كيف يمكن لمسؤول عاقل أن يُفاضل بين حقيبة وزارية معينة، مهما بلغت أهميتها، وبين مصير وطن ودولة وصل إلى مرحلة الإحتضار، الإقتصادي والمالي والمعيشي، بما أصبح يشكل تهديداً كيانياً للجمهورية ومقومات الوجود اللبناني برمته!

 

من حق اللبنانيين أن يتساءلوا كيف يستطيع المسؤول أن تغفو عينه وينام، وشعبه يُعاني من مسلسل الإنهيارات المتتابعة، والبلد مهدد بالسقوط والإرتطام المريعين، وتحوّل الدولة إلى مجرد ركام من الرماد!

 

لقد جاء الرئيس الفرنسي ماكرون بمبادرة إنقاذية فَصَلت الملفات الخلافية المزمنة، وركزت على ثلاث مهمات عاجلة للحكومة الجديدة: وقف الهدر في قطاع الكهرباء، إصلاح القطاع المصرفي، وطرح معالجات مناسبة للتدهور المالي، وإجراء مفاوضات فورية مع صندوق النقد الدولي، وكل ذلك لإطلاق ورشة الإصلاح، ووضع البلد على السكة الصحيحة والعملية للإنقاذ! كيف يتجرأ مسؤول، أقسم على الحفاظ على وجود الجمهورية وحماية مصالح الدولة، على عرقلة جهود الرئيس الفرنسي في عقد مؤتمر دولي لدعم لبنان، وإعادة تفعيل قرارات مؤتمر سيدر، فور تشكيل الحكومة الجديدة، فتكون النتيجة أن صراع المحاصصات والتنافس على الحقائب الوزارية، يبقى أهم من كل تلك المحاولات الإنقاذية الفورية، ويستمر في تعطيل الولادة الحكومية!

 

*****

 

أما الدخول الصادم لعامل العقوبات الأميركية على النائب جبران باسيل على المسرح السياسي اللبناني، فشكّل فصلاً ساخراً في اللعبة السياسية المرتبكة أصلاً، من خلال ردود الفعل التي إتسمت بكثير من المواقف الصبيانية، والتي تفتقد إلى الحد الأدنى من الحكمة والرصانة، لحماية لبنان من الإرتدادات السلبية للقرارات الأميركية التي صدرت في توقيت وكأنها تصوّب على المبادرة الفرنسية، وتعطل خطوات الإصلاح والإنقاذ.

 

وعوض أن يتم الإلتفاف على العقوبات بتسريع خطوات تأليف الحكومة، وإطلاق المسيرة الإنقاذية لتحصين الوضع الداخلي من إي إهتزازات مفاجئة، إتخذ النائب باسيل من عملية تأليف الحكومة متراساً للدفاع عن موقعه السياسي، وتشبث بشروطه التعجيزية لتسهيل الولادة الحكومية، مصراً على تسمية الوزراء المسيحيين والإحتفاظ بوزارة الطاقة، رغم كل الإخفاقات التي إرتكبها هو وفريقه السياسي أثناء توليهم هذه الحقيبة طوال السنوات العشر الأخيرة.

 

وذهب أبعد من ذلك عندما إعتبر أن لا وجود لملفات فساد في القرار الأميركي، فيما سارع القصر الجمهوري إلى مطالبة الجانب الأميركي بتسليم الملفات والمستندات التي إعتمُدت في قرار العقوبات إلى الجانب اللبناني لإحالتها إلى القضاء المحلي! لقد أظهرت هذه التصرفات غير المسؤولة، وكأن فريق باسيل يمارس سياسة العناد والنكايات مع الدولة العظمى في العالم، وكأنه يتعاطى مع أي خصم سياسي لبناني، دون الأخذ بعين الإعتبار الأثمان التي يتكبدها البلد وناسه في مثل هذه المواجهات غير المدروسة والخاسرة سلفاً.

 

لا بد من القول صراحة أن الإنسداد الكامل في العملية الحكومية سببه الأساس هذا الإصرار على ربط التعويض عن خسائر العقوبات الأميركية، بمكاسب فئوية وحزبية في الحكومة الجديدة، الأمر الذي أعاد تفاهمات الرئيسين عون والحريري إلى نقطة الصفر.

 

أي صنف من الحكام الذين يعتبرون أن تعطيل تأليف الحكومة من أجل الحفاظ على حقيبة، وإرضاءً لفريق حزبي، أهم من إطلاق ورشة الإصلاح والإنقاذ، والإستفادة من فرص الدعم الدولية، التي تربط كل المساعدات بتأليف «حكومة مهمة» قادرة على إخراج لبنان من مهاوي الإنهيارات المدمرة!