IMLebanon

الفرصة سانحة… فلا تضيّعوها أيها القادة انتخاب رئيس يلتزم سياسة تحييد لبنان

بات واضحاً أنه ما لم يتم التوصل إلى حل لمشكلة السلاح خارج الدولة، فلن تقوم دولة قوية قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها وتطبيق القانون على كل مخالف من دون تمييز، ولن يرتاح لبنان ويظل محافظاً على وحدته الوطنية وعيشه المشترك وسلمه الأهلي ما لم يعتمد سياسة النأي بالنفس عن كل ما يجري حوله ويحيّد نفسه عن صراعات كل المحاور على اختلاف أشكالها، لا أن يظل كما هو منذ عقود ساحة مفتوحة لها ويدفع ثمن ذلك من سيادته واستقلاله وحرية قراره، لا بل من وحدته الداخلية ومن ازدهار أوضاعه الاقتصادية والمالية.

وبات واضحاً أيضاً أن حل مشكلة السلاح خارج الدولة يتم بقرار لبناني إذا صار اتفاق على وضع استراتيجية دفاعية تخضع هذا السلاح لإجراءاتها وضوابطها بحيث تصبح الامرة للدولة ولمرجعية واحدة. وإذا تعذّر التوصل إلى ذلك فإن الحل يكون بقرار إقليمي وهو راهناً في يد إيران لأن من يعطي هو الذي يأمر. وإيران ليست حتى الآن في وضع الراغب في اتخاذ هذا القرار ما دامت في حروب سياسية وعسكرية مع دول عدة في المنطقة حماية لمصالحها وتحديدا لحجم نفوذها فيها، إذ ستظل في حاجة إلى كل سلاح مدّت به كل جماعة موالية لها سياسياً أو مذهبياً.

لذلك فإن على لبنان أن ينشط في اتصالاته ومن خلال مشاركته في المحادثات بحثاً عن حلّ في سوريا لجعل السلاح خارج الدولة اللبنانية موضوع بحث توصلاً إلى حل له يكون في مصلحة قيام الدولة القوية فيه بحيث لا يستطيع أحد أن يقوى عليها أو يستقوي بأي خارج عليها، وأن يكون تحييد لبنان موضوع بحث أيضاً لأن وجود السلاح خارج الدولة وخارج إمرتها هو الذي يعطل اعتماد سياسة الحياد التي تجعل لبنان يرتاح ويريح. فلو لم يكن في لبنان قادة مرتبطون بخارج لا بل مرتهنون له لما كانت ثمة حاجة لاستجداء الخارج لحل مشكلة هذا السلاح وتحييد لبنان، والدليل على ذلك أن أقطاب الحوار وافقوا على “إعلان بعبدا” في اجتماع لهيئة الحوار في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس السابق ميشال سليمان، وإذ بـ”حزب الله” رغم موافقته عليه، يرسل مقاتليه إلى الحرب في سوريا دعماً للنظام ويطلب من إيران مساعدته. لذلك فلا أمل في التوصل إلى حل لمشكلة السلاح خارج الدولة واعتماد سياسة الحياد إلا عند التوصل إلى حل للأزمة السورية، الذي ينبغي أن يساعد على حل الأزمة اللبنانية بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية وانتهاء بحل مشكلة السلاح واعتماد سياسة الحياد كي تقوم عندئذ في لبنان الدولة القوية القادرة، وأن تعتمد سياسة النأي بالنفس عن كل ما يجري حوله.

لقد استغرب مَن تابع المناقشات في جلسات الحوار اعتراض البعض على تحييد لبنان وهم ممن كانوا قد أعلنوا تأييدهم ذلك، وحجتهم هي العداء لإسرائيل الذي لا حياد فيه، مع أن هذا العداء أمر مفروغ منه ولا خلاف عليه، وان تحييد لبنان لا علاقة له بإسرائيل إنما له علاقة بموضوع الخلافات العربية أو العربية – الاقليمية. من هنا فإن زج اسرائيل في موضوع تحييد لبنان هو حجة ساقطة، وقد تكون اعتمدت لأسباب أخرى منها الاحتفاظ بسلاح المقاومة ليس ضد إسرائيل بل ضد الداخل والوقوف مع محور ضد محور آخر.

وللتذكير فإن “إعلان بعبدا” نص بوضوح وصراحة في البند 12 منه على “تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الاقليمية والدولية، وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والازمات الاقليمية حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعية الدولية والاجماع العربي والقضية الفلسطينية المحقة بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم”. ألم يقرأ من وافقوا على “إعلان بعبدا” هذا النص الصريح كي يقول البعض في جلسات الحوار أن لا حياد مع العدو الاسرائيلي؟ كما أن “إعلان النيات” بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” نص على “ضرورة التزام سياسة خارجية مستقلة بما يضمن مصلحة لبنان ويحترم القانون الدولي وذلك بنسج علاقات تعاون وصداقة مع جميع الدول ولاسيما منها العربية، بما يحصّن الوضع الداخلي اللبناني سياسياً وأمنياً ويساعد على استقرار الأوضاع، وكذلك اعتبار إسرائيل دولة عدوة، والتمسك بحق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم ورفض التوطين واعتماد حل الدولتين ومبادرة قمة بيروت 2002”.

إن هذا النص فيه رائحة “إعلان بعبدا”، فلماذا لا يباشر الحزبان المسيحيان الكبيران مع أحزاب أخرى وشخصيات وقوى سياسية العمل لدى الدول المهتمة بحل الأزمة السورية على حل الأزمة اللبنانية بدءا بانتخاب رئيس للجمهورية يلتزم سياسة الحياد تحصيناً للوحدة الداخلية ولإقامة الدولة القوية التي لا سلاح غير سلاحها؟ إنها فرصة سانحة على كل القادة في لبنان عدم إضاعتها