قرر العدو الصهيوني توحيد ساحات إجرامه من قطاع غزة إلى لبنان بجنوبه وضاحيته، إلى سوريا إلى العراق، وأينما وصلت طائراته ومسيراته وصواريخه. والمؤسف أنّه تمكن من تحقيق أهداف دقيقة عبر ضربات متلاحقة، تكشف، إضافة إلى تفوّق عسكري تقني، تفوّقاً استخباراتياً مثيراً للقلق عن مدى قدرتهم على اختراق كل الإجراءات الأمنية لقادة التنظيمات الممانعة المستهدفين. كما تكشف فداحة هذا الاختراق في بنية هذه التنظيمات.
والمثير في مسألة الاختراق هذه، أنّ اندلاع الحرب في غزة وفتح جبهة المساندة من جنوب لبنان، اقترنت منذ أيامها الأولى بحملة تخوين واتهامات بالعمالة وملاحقات وإهدار دم مدموغة بنجمة إسرائيل السداسية وعبارة «شركاء قتلة الأطفال» بحق كل صوت منتقد أو معارض لحركة «حماس» و»حزب الله»، ولكل رافضٍ لاحتمال جرّ لبنان إلى هذه الحرب، أو المطالبة بتنفيذ القرار 1701.
قد يقول قائل إنّ المرحلة حساسة، ولا يمكن التهاون حيال التجييش المشبوه للرأي العام، وطرح أفكار ونظريات تندرج تحت خانة إضعاف المقاومة وعرقلة اندفاعتها، والتشويش على قيامها بواجبها «قربة إلى الله سبحانه وتعالى»، وليس بناء على حسابات تتعلق بصراع النفوذ في منطقة الشرق الأوسط على حساب الشعوب.
فمواجهة العدو الإسرائيلي لا تحتمل السكوت عن مثل هذا التحريض، الذي يتولاه صهاينة الداخل. وهي تُصنف واجباً مقدساً، لا يختلف عن وجوب إعلان الحرب على صهاينة الخارج، وتحديداً عندما يتطرق أصحاب الأقلام المأجورة إلى فداحة الثمن الذي يدفعه المدنيون الفلسطينيون بفعل الإجرام الإسرائيلي وعدم تقدير «حماس» لدى قيامها بعملية «طوفان الأقصى» لمدى توغل الوحشية الصهيونية في إجرامها هذا، واكتفاء الإعلام الممانع بالتركيز على بطولات وتسطير انتصارات أسطورية، يتم تشويهها من خلال العملاء الساعين إلى التحريض على المقاومة.
وفي هذا المقام أصبح التخوين مرادفاً لعملية «كمّ الأفواه»، وقطع الطريق على أي توجه منطقي لطرح الأسئلة خلال هذه المرحلة، عن فظاعة ترك الشعب الفلسطيني يموت وحيداً، وعن أسباب استباحة لبنان المتواصلة، وترك الفصائل الفلسطينية والميليشيات التي ابتكرها «حزب الله» تعيدنا إلى زمن ما قبل الحرب الأهلية. فمجرد طرح مثل هذه الأفكار التي توهن الجسد المقاوم، كفيل بفتح باب جهنم على صاحبه، ليصبح عميلاً متصهيناً.
لكن ماذا بعد قيام إسرائيل بعمليات الاغتيال التي وحّدت من خلالها ساحات استهدافها المحسوبة على إيران؟ وكيف نجح في اصطياد من يريد اصطيادهم هذا الكيان المغتصب والفاشل والمرتبك والعاجز عن تحقيق أي هدف كان قد وضعه مع إطلاق عملية إبادة الشعب الفلسطيني المستمرة في غزة؟ هل يكفي التفوق التقني لتحقيق هذا النجاح؟
بالطبع لا. بالمنطق، لا بد من اقتران التقنيات المتطورة بمساعدة على الأرض يتولاها العنصر البشري. وبالمنطق، أيضاً، ليس باستطاعة أي عنصر بشري أن يقوم بمثل هذه الوظيفة الوسخة لمساعدة العدو الإسرائيلي. ولا يكفي ان يكون العميل المجرم من البيئة الحاضنة لحركة «حماس» و»حزب الله». فمثل هذه الوظيفة الوسخة تتطلب وجوداً داخل الخلية الضيقة لمن تم استهدافهم، كما تتطلب خبرة عسكرية وأمنية وتدريباً للتمكن من توفير المعلومات اللازمة من دون إثارة الشكوك.
بالمختصر، أظهرت هذه العمليات أنّ قياديي التنظيمات العسكرية لمحور الممانعة مخترقون. كما كان من سبقوهم في الكفاح المسلح، ولكن… بدأ الترويج يرتكز على أن الاختراق لا علاقة له بالبيئة الحاضنة، وإنما هو من الخارج، ومن الذين يدورون في فلك هذا الخارج، وتحديداً من الشيطان الأكبر وأذرعه البريطانية والألمانية… ربما، وليس مستبعداً أن تكون فرنسية، والله أعلم.