فاجأ شاعرنا الكبير المرحوم سعيد عقل ضيوفنا في أحد «لقاءات الخميس»، في مكتبي في تلك المجلة الرائدة التي كنت أرأس تحريرها. كان يلاقيه إلى تلك الجلسات الرائعة أمين عام وزارة الخارجية والمغتربين في حينه، المثقف اللبناني المميز الأديب اللامع المرحوم فؤاد الترك، ويشاركنا رهطٌ من الزملاء وأحياناً كثيرة بعض أهل السياسة.
فاجأ سعيد عقل الحضور عندما دار الكلام على أحدهم فوصفه بـ«الموهوب». هيمن صمتٌ لثوانٍ طويلة، رافقه تبادل نظراتٍ، فارتسم على الوجوه من أمائر التعجب ما يشي بأن فلاناً يمكن وصفه بما شئت من المزايا إلا بالموهبة.
لم يفت الشاعر الكبير ما دار في الخواطر، فنظر إليّ وقال: سجّل أن فلاناً هو «موهوب تفاهة».
بدت الملاحظة جارحة، فبقدر ما حملت من طابع النكتة والظُرَف بقدر ما بدت قاسية.
ولقد تبيّن لي، من تجارب مهنتنا الصحافية (الحلوة – المرّة) التي فتحت أمامنا أبواباً للتعارف والاختلاط بقادةٍ وسياسيين وزعماء وأقطاب، أن الكثيرين من موهوبي التفاهة غالباً ما يتزعّمون دولاً ومنظمات وحركات جماهيرية… وهذا الاستنتاج توصّل إليه كثيرون من الزملاء الذين قُدر لهم، كما قُيّض لي، أن يحتكّوا بالكثيرين من الحكام والقادة والزعماء في بلدانٍ عديدة.
أما الاستنتاج الثاني فهو أن الوصول إلى المراكز والمواقع القيادية، خصوصاً على مستوى المسؤولية في الحكم والزعامة والسياسة كثيراً ما يرتبط بمزاج الناس وليس بمزايا القائد أو الزعيم. فالكثيرون من السياسيين المثقفين جداً، المكتنزين علماً ومعرفةً، لا يتمكنون من اكتساب ود الجماهير (أي ود الناخبين في الديموقراطيات) بينما يتمكّن أناس شبه جهلة من الارتقاء إلى أرفع المناصب، لأن «الجمهور عايز كده» على حد ما يقول إخواننا المصريون في الشأن الفني وليس في السياسة والحكم.
وقد لا نتبنّى رأي الأديب المرحوم الشيخ سعيد تقيّ الدين في مقولته الشهيرة «الرأي العام بغل». ذلك أن للناس، خصوصاً المجموعات الجماهيرية، اقتناعاً ينبثق من عوامل عديدة… وليس من المصادفة في شيء تأليه الكثير ممن تولوا المسؤوليات عبر التاريخ، وعندما يتعمّق الباحث في قدراتهم الشخصية يُفجع بالضحالة و…. التفاهة؟
يوم خاض الرئيس الاميركي الأسبق رونالد ريغن معركته الرئاسية، خضع لإحدى المناظرات مع المنافس إذ طُرح عليه السؤال الآتي: «من المسؤول عن الاحتباس الحراري؟» وجاء جوابه مذهلاً في الغباء والجهل، إذ قال «السبب هو الأشجار».
أُحبط أركان الحملة الانتخابية وقالوا في ما بينهم: «انتهت المعركة. لقد خسرنا».
ومع ذلك، فاز ريغن في رئاسة أعظم بلد في العالم، وأثبت أنه أحد أهم الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة.