Site icon IMLebanon

حسابات زعامة «المختارة» في معمعة الرئاسة

تَقف القوى السياسيّة حائرة أمام التطوّرات الرئاسيّة، وتحاول أن تكشف الخيط الداخلي من الخيط الإقليمي في عاصفة الترشيحات الأخيرة، بينما لم تشهد العواصم الكبرى أيّ موقف يدلّ على البرّ الذي سيرسو عليه الإستحقاق الرئاسي.

أمام الواقع المفاجئ الذي رسَمه ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع رئيسَ تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون، لم يعد بالإمكان العودة الى ما قبل 18 كانون الثاني، لكن في المقابل تحاول القوى السياسية إمتصاصَ صدمة المصالحة والترشيح معاً، وإكتشاف معالم المرحلة المقبلة ودرس كلّ الحسابات التي من شأنها رسم خريطة طريق تتناسب مع متطلبات العهد المقبل.

شكّل الصمت مادة أساسية لمعظم الناخبين المحلّيين الذين لا يريدون الإصطدام بالجوّ المسيحي الجديد، ولا يستطيعون مجابهته لأنّ مواجهته ستخلق مزيداً من التضامن المسيحي والإلتفاف حول «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ»، ما يصعّب مهمة شطب مرشحهما، أيْ العماد عون، من لائحة المرشحين الأوائل، كذلك فإنّه سيخلق إصطفافاً مسيحياً مدعوماً ومعلّلاً ومتسلّحاً بالغبن الذي لحق بالمسيحيين منذ عام 1990 وإقصائهم عن السلطة، وبذلك يشتدّ عود التحالف المسيحي، في وقت يراهن البعض على أنه لن يدوم وسيتصدّع في أوّل منعطف يختلفان عليه، لينهار عند المنعطف الثاني.

لم يكن رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط يرغب في أن تصل الأمور الى ما وصلت اليه وتأييد جعجع لعون في المعركة الرئاسيّة. ففي المراحل السابقة، حاول جنبلاط قدر الامكان إستيعاب عون وتحقيق مطالبه في السلطة والتي كانت تواجه بالرفض التام، ربما لأنَّ جنبلاط يقرأ جيداً المنحى الذي قد تسلكه الأمور في حال إستمرّ تهميش عون والمسيحيين معه، لذلك دخل في وساطات عدّة لإحتوائه بعدما عاش تجربة قاسية خلال «تسونامي» 2005 الإنتخابي، لكنّه لم يوفّق.

لا مشكلة لجنبلاط مع أيّ رئيس ماروني يُنتخب شرط تأمين مصالحه، وحفظ وجود طائفته في اللعبة السياسية وداخل التركيبة اللبنانية ومؤسسات الدولة، لذلك يركز على الإحتفاظ بالحقائب الخدماتية لتسيير مصالح جماعته.

وقد تكون من أبرز أسباب عدم رغبة جنبلاط في التصادم مع خطوة عون- جعجع الاخيرة، هي الحسابات الإنتخابية في الجبل. فمنذ العام 1992 وحتى العام 2009 كان جنبلاط يبسط سيطرته على جبل لبنان الجنوبي، أيْ أقضية الشوف وعاليه وبعبدا ويمتدّ الى البقاع الغربي، لكنه خسر في معركة الـ2009 الإنتخابية قضاء بعبدا الذي ربحه عون بالتحالف مع «حزب الله» والنائب طلال إرسلان، وبقي محافظاً على عاليه والشوف.

أما الآن، وإذا استكملت خطوة عون وجعجع بتحالف، وحتى لو أُبقي على قانون الستين، فإنّ قضاء عاليه (3 نواب مسيحيين و2 دروز) مهددّ بأن يسقط من بين يديه، لأنّ أصوات المسيحيين فيه تساوي أصوات الدروز، لا بل تفوقهم، والمشارَكة الانتخابية المسيحية كانت منخفضة في الدورات السابقة بسبب غياب المعركة، ومع عودة المسيحيين الى اللعبة السياسية وتحالفهم مع الطرف الدرزي الثاني، أيْ إرسلان، فإنّ ذلك يشكل خطراً حقيقياً على الحزب التقدّمي الاشتراكي في هذا القضاء.

لا يبدي جنبلاط حماسة تجاه عون لاعتبارات عدة، أبرزها أنّه مرشح ماروني قوي، وجنبلاط لا يحبّذ هكذا أنواع رؤساء، إضافة الى أنّ البيت الجنبلاطي ضدّ وصول العسكر الى الحكم، فكيف الحال بالنسبة الى جنبلاط الذي جرّب عون في العسكر والسياسة. وما يزيد المخاوف الجنبلاطيّة هو تهديد موقعه في الجبل وخلق معركة إنتخابية في الشوف أيضاً حيث هناك 4 مقاعد للمسيحيين وإثنان للسنّة وإثنان للدروز.

في الوقت نفسه، لن يُقدم جنبلاط على إستفزاز الموارنة بعد مصالحة معراب، وإن عاد وتموضَع رافعاً ورقة ترشيح النائب هنري حلو، لكنه في مكان ما يعرف أنه لن يقوم بخطوة تُهدّد عرش المختارة، أو أن يدخل في مفاضلة بين ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية وعون قبل أن يتّضح موقف «حزب الله» ويحسم تيار «المستقبل» أمره، وأن تقول السعودية وإيران كلمتهما.

ويعرف جنبلاط جيداً أنه مثلما لم يبقَ للمسيحيين المشرقيين سوى لبنان بعد تهجيرهم من العراق وسوريا وفلسطين، لم يبقَ أمام الدروز في ظلّ المدّ الإسلامي سوى الجبل وزعامة المختارة التي تعرف أنّ دخولها في صدام مجاني مع الموارنة المنتفضين على تهميشهم، يقزّم حضورها ودورها الى الحدود الطبيعيّة لها بعد الإنفلاش الذي شهدته في الأعوام الماضية.