يبرز الاتفاق الخليجي الذي رعته المملكة العربية السعودية كنقطة قوة للرياض بين جملة التطورات في المنطقة، وفق ما ترى اوساط سياسية، وقد اعيد بموجبه الاعتبار الى علاقات اكثر تماسكا بين دول مجلس التعاون الخليجي، من شأنه ان يخفف التوترات بين هذه الدول من جهة كما يؤدي الى تماسك الموقف من جملة قضايا تتصل بالمنطقة من جهة اخرى. ولعل ابرز ما يتصل بالموقف الخليجي الموحد الذي تم التعبير عنه بعودة سفراء المملكة والامارات والبحرين الى الدوحة بعد قطيعة قاربت الثمانية اشهر والتحضير للقمة الخليجية التي ستعقد في الدوحة الشهر المقبل، الى جانب عودة العلاقات الى طبيعتها وازالة الخلافات التي شابتها، ما يرتبط بمصر وازالة الخلافات التي نشأت على خلفية الاحداث التي توالت هناك وأدت الى توسيع شقة الخلافات الخليجية. ومن شأن استعادة وحدة الموقف الخليجي ان ترسل مؤشرات قوية في اتجاهات عدة سيتم البناء عليها في المرحلة المقبلة بعدما ساهمت الخلافات أشهراً طويلة في ارباكات في جملة ملفات اقليمية طاولت سوريا ومصر والعلاقات مع تركيا وايران وحتى مع الولايات المتحدة. ولذا كان المؤشر الابرز هو التعويل على ان تقوي المصالحة التي حصلت موقف هذه الدول، ما يساهم في اعادة مصر عضدا قويا ايضا لها، في الوقت الذي يعزل موقف تركيا من الحكم في مصر ويضيق هامش تحركها على هذا الصعيد، خصوصا في ضوء تطورين حصلا في الاونة الاخيرةـ، احدهما هو القائمة التي عممتها الامارات العربية بالتنظيمات التي تصنفها ارهابية وتحفظ قطر عن بقاء قيادات من الاخوان المسلمين على اراضيها. ويراهن كثر على ان يساهم تضييق شقة الخلاف بين الدول الخليجية في سياسات اكثر انسجاماً، خصوصا في ما يتصل بنقاط متفق عليها بين هذه الدول كتلك المتعلقة بالموقف من النظام السوري وطبيعة الدعم للمعارضة السورية وتعزيز التعاون في التحالف من اجل تدمير تنظيم الدولة الاسلامية في مقابل وحدة اكثر تماسكا في الموقف من ايران، خصوصا اذا اعيد الاعتبار الى مصر وتم العمل على دعم استعادة دورها الاقليمي المهم بالنسبة الى التوازن في العالم العربي والاسلامي في مقابل الطموح التركي من جهة والطموح الايراني من جهة اخرى والذي يعتقد انهما يكملان مع اسرائيل الركيزة الثلاثية التي تطوق المنطقة العربية المرهقة بمشاكلها الداخلية.
وهذا المسار كان موضع متابعة سياسية من مهتمين كثر على ضوء رد الفعل السعودي الهادئ على ما جرى في اليمن في الاشهر الاخيرة من سيطرة الحوثيين على صنعاء وسعيهم الى فرض شروطهم في تأليف الحكومة. اذ بدا لهؤلاء انه على عكس الانطباع عن تراجع نفوذ المملكة في اليمن لمصلحة النفوذ الايراني بدا ان الساحة اليمنية تركت نوعا ما لأن تشكل استنزافا آخر لايران، استنادا الى ما قاله مسؤولون ايرانيون عن دعمهم للحوثيين في السيطرة على صنعاء. وراقب هؤلاء المهتمون ايضا زيارة الرئيس السوداني عمر البشير الى مصر في 18 تشرين الاول الماضي بعد زيارة كان قام بها الى المملكة السعودية، ما يفيد او يرمز الى السياسة التي تعتمدها الرياض بهدوء من اجل اعادة لملمة الوضع، خصوصا اذا اخذت في الاعتبار الخطوات التي كان اتخذها الرئيس السوداني في اقفال المراكز الثقافية الايرانية وطرد موظفيها في ايلول الماضي بما لهذا الاجراء من دلالات في ما يحصل في المنطقة اولا من تمهيد لعودة السودان الى المحور العربي الذي لا يكتمل من دون مصر ايضا، وثانيا من صراع يتوالى في المنطقة على صعد ومستويات عدة. فهذه العناصر تقول هذه المصادر مهمة في سياق الاعداد للمرحلة المقبلة سواء اعلن عن اتفاق نهائي بين الدول الغربية مع ايران حول ملفها النووي ام ارجئ الوصول اليه اشهرا عدة.
ولا تهمل المصادر المعنية في هذا السياق جانبا اخذ في التصاعد الاقليمي والدولي في الآونة الاخيرة، وهو يتصل بتدهور اسعار النفط في العالم، والذي يجد صدى كبيرا في تقويم الاعتبارات السياسية والاقتصادية ليس في المنطقة فحسب بل في العالم في ظل ما يعتقد او يسري على نطاق واسع بان اسعار النفط المنخفضة تؤثر في شكل سلبي وبقوة على كل من ايران وروسيا. وفي حين ان الدور الذي تضطلع به المملكة السعودية في تحديد مسار اسعار النفط حاليا وقبيل قمة لدول الاوبك في 27 تشرين الثاني الحالي كبير ومهم، تسري نظريات في الاعلام الغربي وحتى على ألسنة مسؤولين من الدول المتضررة من انخفاض سعر برميل النفط الى اقل من 100 دولار كايران مثلا من ان هذا العامل يشكل بدوره عاملا ضاغطا شديد التأثير على اقتصادها ويستخدم في اطار عناصر التوتر القائمة في المنطقة وفي اتجاهات تخدم منحى معينا.
واذ يتابع المهتمون في لبنان هذه التطورات باهتمام من واقع اهميتها وانعكاساتها في المنطقة، بدا لافتا بالنسبة اليهم مطالبة المندوب السعودي في مجلس الامن عبدالله المعلمي مجلس الامن في اطار جلسة خاصة لمناقشة الارهاب بادراج “حزب الله” وتنظيمات عراقية اخرى كفيلق ابي العباس وعصائب اهل الحق وغيرها من تلك التي تحارب في دمشق على قائمة التنظيمات الارهابية في الوقت الذي ادرج المجلس منظمة انصار الشريعة الليبية على القائمة نفسها، من منطلق محاولة رصد ابعاد هذا الموقف واي عوامل وانعكاسات له.