اقتحم خبر عدول جامعة الدول العربية عن تصنيف حزب الله «منظمة إرهابية» الأجندة اللبنانية ليضيف عنصراً جديداً على فالق الانقسام السياسي في البلاد، إذ استشعر خصوم الحزب خشية من أن تكون الخطوة اعترافاً عربياً بدور الحزب وموقعه بعد كل محاولات «العزل» التي رعتها دول عربية مباشرة. وعليه، توالت المواقف الاحتجاجية في العلن، في موازاة اتصالات مع جهات عربية لفهم خلفية الخطوة، ومحاولة التراجع عنها إن أمكن.فمنذ لحظة إعلان الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي من بيروت أن «الجامعة العربية لا توجد فيها قوائم تصنيف لمنظمات إرهابية وأن حزب الله لم يُعد مصنّفاً جهة إرهابية»، دبّ الرعب في قلوب خصوم المقاومة في الداخل من أن يكون القرار «جزءاً من ترتيبات عربية جديدة تدخل في سياق التفاوض مع حزب الله على حساب الفريق الآخر في البلد». قبل أن يتراجع زكي عن موقفه، مشيراً إلى أن تصريحاته «فُسّرت في غير سياقها الصحيح، وهي لا تعني زوال التحفظات على سلوك الحزب وسياسته وأفعاله ليس فقط في الداخل وإنما على صعيد المنطقة». وتزامن الموقف الجديد لزكي مع تأكيد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن الأمانة العامة «تلتزم دوماً بالتنفيذ الكامل لقرارات الدول في كل الموضوعات، وأن التكليف الصادر لزكي بزيارة لبنان موفداً شخصياً من جانبه للتواصل مع القوى السياسية اللبنانية هو تنفيذ لقرارات مجلس الجامعة بشأن التضامن مع لبنان وتكليفها للأمين العام في هذا الخصوص».
وبعدما أثارت تصريحات زكي علامات استفهام كثيرة حول خلفياتها، تأكّد أمس أن محاولة التراجع عنها، مردّها إلى «ضغط مارسته الرياض بالدرجة الأولى، بعدما أثار كلام زكي استياءً لديها، ولدى عواصم عربية أخرى». وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن «جهات عديدة في لبنان والمنطقة أجرت اتصالات احتجاجية بدول الجامعة العربية، وفي مقدّمتها الدول الخليجية». كما أن الولايات المتحدة، لم تكن بعيدة عن هذا الجوّ، وهو ما أكّدته الخارجية الأميركية في بيان أمس، اعتبرت فيه أن «حزب الله منظّمة إرهابية خطيرة، ولا نرى مبرّراً لرفعها من قائمة المنظمات الإرهابية». وهذا ما يرجّح، بحسب مصادر مطّلعة، أن يكون «كلام زكي خطوة من دون إجماع عربي حولها، وربما أتت بدفع مصري خاصّ»، علماً أنه منذ توقيع اتفاق استعادة العلاقات الإيرانية – السعودية في آذار 2023 بوساطة صينية، لم تعد الجامعة العربية تتحدث في بياناتها عن «التدخل الخارجي الإيراني المباشر وغير المباشر (أي حزب الله) في الشؤون العربية. وصارت تكتفي بالحديث عن تدخلات خارجية بشكل عام». إلا أن التطوّرات الأخيرة، في حرب غزة – وما نتج عنها في المنطقة – حملت للعرب فرصة لتوظيف هذا القرار بالإعلان عنه بطريقة تعطي انطباعاً بأن تطوراً كبيراً حصل تمهيداً لشيء ما لاحقاً.
تراجع زكي عن تصريحاته لا يُلغي ما قاله في لقائه مع رعد عن الموقف المشرّف للمقاومة
وفي كل الأحوال، فإن تراجع زكي عن تصريحاته لا يُلغي ما قاله الرجل في لقائه مع حزب الله، ولا وجود توجّه مصري جديد تجاه الحزب عبّر عنه الرجل. ففي اجتماعه مع رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، تطرّق زكي إلى الحرب في غزة، وما رافقها من تداعيات داخل القطاع والضفة الغربية وجبهات الإسناد. وبحسب المصادر، فقد سمع الحزب كلاماً من الوفد العربي فحواه أن «موقف حزب الله من هذه الحرب وفتح جبهة الجنوب كميدان إسناد، هو موقف مشرّف يستحقّ التقدير الكبير». واعتبر الوفد العربي أن «المقاومة في لبنان تدافع عن كل الشعوب العربية وليس عن شعب غزة فقط».
وفيما تطرّق الوفد في حديثه، إلى أن «المشهد السياسي في المنطقة بعد انتهاء الحرب لن يكون كما قبلها وأن متغيّرات كبيرة ستحصل»، بقيت التقديرات الأولية حول الزيارة وخلفياتها، تُراوِح بين:
أولاً، أن زيارة الوفد مدفوعة بتشجيع من القيادة المصرية حصراً.
ثانياً، محاولة عربية (وربما ليست خليجية) لمواكبة تحسّن العلاقات الإيرانية – العربية، وخصوصاً الإيرانية – المصرية، بعد الإيرانية – السعودية.
ثالثاً، أن تكون لدى مصر توقّعات بحصول تسوية كبرى في المنطقة، سيكون لحزب الله دور أساسي أو يكون شريكاً فيها، وبالتالي تسعى لترتيب العلاقة معه.