فاجأ القرار الاميركي القاضي بنقل السفير دايفيد هيل المسؤولين والذي سارع الى مغادرة مقره في عوكر الى واشنطن- من بيروت الى اسلام اباد، دون اي تمهيد، حيث انشغلوا في قراءة ابعاد الخطوة وتحليل اهدافها وما اذا كانت سياسية ام امنية ام ادارية بحتة، خصوصا انها تزامنت مع معلومات نفتها لاحقا السفارة الفرنسية عن انهاء خدمات السفير باتريس باولي.
خطوة اثارت المخاوف والقلق من تراجع الملف اللبناني الى اسفل مراتب الاجندة الاميركية، بحسب اوساط في 14 آذار تمهيدا لابرام صفقة ما على حسابه، خصوصا في ظل الانشغال الواسع بالملف النووي الايراني، وصولا الى طرح تساؤلات «غير بريئة» تتصل بمن يتولى مهام رئاسة الديبلوماسية الاميركية في لبنان في ظل عدم القدرة على تعيين خلف لهيل بفعل الشغور الرئاسي وسط حاجة داخلية لوجود سفير نسبة للدور الذي تضطلع به بلاده على مستوى ضبط الساحة الداخلية وابقاء المظلة الدولية الواقية لاستقرارها، في تكرار لمشهد خبره اللبنانيون عام 1989 زمن الحكومتين.
غير ان اللافت تضيف الاوساط، تزامن صدور قرار النقل مع موقفين لافتين،الاول صدر عن السفير هيل نفسه، هاجم خلاله حزب الله بقوة،عشية قرار الامارات ترحيل المواطنين الشيعة، وقبيل «سوء تفسير» موقف وزير الخارجية جون كيري من سوريا والرئيس الاسد، الذي وضعه سفراء غربيون في اطار «المماحكات « و«الصراعات» التي تشهدها الادارة الديمقراطية والتي وصلت حدود تهكم الرئيس باراك اوباما من نائبه جو بايدن ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، على خلفية الصراع القائم ومحوره تل ابيب-طهران.فهل نقل السفير هيل اجراء «تأديبي»؟
تحليل عززته، المعلومات التي ترددت في بيروت، عن تطّور نوعي مع تسلم مجلس الشيوخ التقرير السنوي لمدير الإستخبارات الأميركية جيمس كلابر، يطلب فيه شطب إيران و«حزب الله» من قائمة الارهاب الاميركية، نظرا لدور الطرفين في محاربة تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا، العراق ولبنان، بمعزل عن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة في اطار الحرب الدولية على الارهاب، «منوها» « بنوايا طهران وحلفائها في بناء شراكة والحد من التوترات مع الرياض، في اطار استراتيجيتها الشاملة لتعزيز أمنها وهيبتها وتأثيرها الإقليمي»، محذّرا في الوقت ذاته من «أنّ القادة الإيرانيين، يتبعون سياسات تؤثر سلبًا على إستقرار المنطقة»، شارحًا «أنّ النشاطات الإيرانية من أجل حماية وتمكين المجتمعات الشيعية تفاقم المخاوف والردود الطائفية في المنطقة، في ظل قدرة عناصر فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني على بسط نفوذ طهران في العراق وسوريا وغيرها من الدول».
مصادر وثيقة الصلة بكواليس القرار الاميركي، اكدت ان التقرير الذي جرى تسريب بعض نقاطه في غير سياقها والذي بنى عليه الكثيرون آمالا لن يمر للكثير من الاعتبارات، وانه جاء ليخدم مصالح المعسكر المناهض للرئيس اوباما، اذ ان الاميركيين حساسون جدا لمسالة الخسائر التي طالتهم نتيجة «الاعمال الارهابية» التي اودت بمئات الاميركيين في بيروت عبر عمليات الخطف والاعدام والتفجير، وهو امر يبقى خارج اي مساومة سياسية لارتباطه اولا بالكونغرس الاميركي وثانيا بدعاوى مرفوعة امام المحكمة الفدرالية العليا، متحدثة عن ان الاجراء «المفاجئ» لبنانيا، انما يندرج في اطار سلسلة من التغييرات التي جرت على نار هادئة وطالت مسؤولين عن ملف لبنان سواء في الخارجية ام في وزارة الدفاع، بعد التغييرات التي طالت مسؤولي محطة بيروت في السي.آي.ايه، معتبرة تعيين السفير هيل في السعودية بمثابة مؤشر بالغ الاهمية نظرا للعلاقات الاستراتيجية الاميركية – الباكستانية وللدور المرسوم لاسلام اباد في اطار المحور العربي -الاسلامي الجاري طبخه على نار هادئة بقيادة سعودية وعضوية خليجية-مصرية-تركية-باكستانية، بدأت طلائعه من القمم التي شهدتها الرياض والدعم «الضخم» التي حصدته القاهرة في مؤتمر شرم الشيخ، مشيرة الى ان الموقف الذي ادلى به السفير هيل من على منبر وزارة الداخلية انما جاء نتيجة تعليمات تلقاها من واشنطن في اطار سياستها «المستجدة» محليا، وفي محاولة تطمين لاسرائيل والسعودية عبر البوابة البيروتية، بعد الحديث المتنامي والنقمة المتزايدة عن قرب التوصل الى اتفاق مع طهران.
واذ لم تنف المصادر ان هوية السفير الجديد ومواصفاته ستحدد اتجاه السياسة الاميركية المقبلة حيال لبنان من ضمن الاستراتيجية الاميركية الاقليمية، وتقديم التطمينات للعواصم المعنية، ملمحة في هذا الاطار الى ان السفير الجديد سيعيد «بث الروح والحيوية» في شرايين الرابع عشر من آذار واعادة التوازن الذي انكسر الى الساحة الداخلية، كاشفة ان البيت الابيض ووزارة الخاجية لم يحسما بعد اسم الشخص الذي سيخلف هيل في عوكر، بانتظار اتضاح صورة الوضع الاقليمي، علما ان اللائحة باتت محصورة باربعة اسماء:
-دانيال روبنشتاين: المبعوث الأميركي لدى سوريا، والذي تتحدث التقارير عن احتمال تعيينه في بيروت او تونس .
– جايك والس: السفير الحالي في تونس والذي يتوقف نقله الى بيروت على تولي روبنشتاين مكانه.
– لاري سيلفرمان:الاكثر ترجيحا، يشغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، واحد ابرز المتحمسين للسفير هيل، والذي يتمتع بعلاقات قوية مع بعض الاطراف السياسية اللبنانية، والمامه الكامل بالملف اللبناني بادق تفاصيله.
– ديبرا جونز: السفيرة السابقة في طرابلس الغرب،والمعروفة بشبكة علاقاتها العربية الواسعة،كما بالمامها بالملف اللبناني وامتداداته الاقليمية.