على السكت عاد أول السفراء اللبنانيين المُبعدين من الرياض فوزي كبارة الى مقر عمله في وقت يستعد نظراؤه للعودة الى عواصم خليجية أخرى، وذلك بعد عشرة ايام تقريباً على عودة سفراء هذه الدول الى بيروت، ما طرحَ مجموعة من الاسئلة عن اهمية هذه الخطوة وان كانت كافية لإعادة العلاقات الى ما كانت عليه قبلاً والنتائج المترتبة عليها. وعليه، ما هو المرتقب من تطورات؟
على رغم من الضجيج الذي رافقَ عودة سفراء المملكة العربية السعودية والكويت الى بيروت وتسمية السفير القطري الجديد في بيروت، فقد بدأ مسلسل عودة سفراء لبنان الى هذه الدول بعد أشهر عدة على إبعادهم عنها في ظل صمت رسمي ديبلوماسي وسياسي ومن دون اعلان الوزارة المعنية عن هذه الخطوة. ولولا إشارة بيان مكتب الإعلام في القصر الجمهوري الى ان اللقاء الذي جمعَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بسفير لبنان في الرياض قبَيل عودته الى السعودية لَما توافرت اي معلومة عن مواعيد عودة بقية السفراء الذين كانوا قد أُبعدوا من هذه الدول بفارق ساعات قليلة بين 20 و21 تشرين الثاني العام الماضي.
ثمة من يعتقد انّ مثل هذه الشكليات لا تعني شيئا في مقابل ما شكّلته عودة السفراء الخليجيين الى بيروت وما تحقق من خطوات ايجابية توحي بانفراج أوسَع قريب على مستوى العلاقات بين هذه الدول ولبنان. لكنّ آخرين يبنون على هذه الخطوات الديبلوماسية الالزامية كثيراً مما يجب أخذه في الاعتبار على قاعدة «المعاملة بالمِثل» واحتراماً لأبسط القواعد والأصول الديبلوماسية المعتمدة بين الدول. وما بين هاتين النظريتين توجد واحدة تقول إنّ العلاقات بين هذه الدول لم تصل الى حد «القطيعة الديبلوماسية». وهو ما أشار اليه السفير السعودي وليد البخاري عندما لفتَ الى انّ الامور لم تصل الى تلك المرحلة وأنّ العلاقات بين لبنان وبعض دول مجلس التعاون الخليجي بقيت قائمة بالحد الادنى والكافي لاستمرار العلاقات، ذلك انّ بعض السفارات اللبنانية بقيت في عهدة سفراء وديبلوماسيين كباراً استمروا في القيام بواجباتهم وتقديم الخدمات القنصلية لأبناء الجالية اللبنانية في هذه الدول، فالاجراءات التي اتخذت في حق لبنان لم تتجاوز مقاطعة السعودية للصناعات التحويلية الزراعية اللبنانية عقب اكتشاف صفقات الرمان والليمون المخدر وغيرها من العمليات التي شكلت سبباً إضافياً لاتخاذ هذه الإجراءات.
أما اليوم ومع بدء عودة الديبلوماسيين اللبنانيين الى مَقارهم، طُرحت الاسئلة عن النتائج المترتبة على مثل هذه الخطوات الى جانب السعي لاستشراف الاسباب الحقيقية لكل ما جرى حتى اليوم. فإن انتصرت نظرية إسقاط ربط الإجراءات العقابية التي اتخذت بالتصريحات التي ادلى بها وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي ومواقف «حزب الله» وتوجهاته التي أمعنت في انتقاد سياسات هذه الدول بالاضافة الى استضافة المؤتمرات الخاصة بمعارضيهم، كما بالنسبة الى استمرار بث الفضائيات الموالية لهم من الضاحية الجنوبية ومراكز أخرى يحميها الحزب، فإنّ اعادة ربطها بمعطيات أخرى واجبة الوجوب. وعليه، ما الذي يمكن الإشارة إليه في هذا المجال؟
تعترف مراجع ديبلوماسية بأن مقاربة الاسباب الحقيقية لكل القرارات التي اتخذها بعض دول الخليج العربي في حق لبنان تفرض البحث عمّا يبرّرها في مكان آخر يقع خارج الساحة اللبنانية. وانّ على المراقبين النظر الى قراءة مجموعة من المؤشرات الاخرى التي دفعت الى تغيير نهج التعاطي مع لبنان، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– ما قطعته الوساطة العراقية على مستوى ترميم العلاقات بين طهران والرياض من أشواط كادت ان تؤدي الى عقد الجلسة الخامسة من المفاوضات بينهما في بغداد لولا تزامن موعدها المحدد مبدئياً وتنفيذ احكام الاعدام بحق 81 مواطناً أدينوا بجرائم مختلفة السبت في 12 شباط الماضي، وما على الراعي العراقي ومعاونيه من دول عدة في سلطنة عمان والامارات العربية المتحدة والأردن التي استضافت اجتماعات ايرانية – سعودية على مستوى الخبراء سوى انتظار فترة قصيرة لاستيعاب ترددات «عملية الإعدام» التي شملت بالإضافة الى السعوديين عدداً من شيعة المملكة والحوثيين اليمنيين.
– ما حققته الاتصالات الفرنسية التي لم تتوقف بعيداً من الاضواء من ضمانات نالَتها من قيادات «حزب الله» في لبنان بالتخفيف من حدة اللهجة الموجّهة الى دول الخليج العربي مُضافة الى التعهدات التي قطعتها الحكومة لجهة محاصرة شبكات التهريب والحَد من الحراك المعارض لهذه الانظمة على الساحة اللبنانية والسعي الى إقفال فضائياته في لبنان قريباً، وهو ما طمأنَ الانظمة الخليجية وسمح لها أن تعطي لبنان فرصة يحتاجها لمنع الوصول الى الانهيار المقدّر الى مرحلة يصعب ضبطها او الحد من نتائجه الرهيبة على اللبنانيين والدول الصديقة للبنان.
– لا تغفل المراجع الديبلوماسية اهمية الحراك القائم على الساحة اليمنية ترجمة لتفاهم إيراني ـ سعودي غير معلن عنه حتى اليوم لتهيئة الظروف لتعزيز وقف النار المعلن بين الحوثيين والسلطات اليمنية بعد استقالة الرئيس اليمني منصور عبد الهادي وتسليم السلطة الى «مجلس ادارة» يمكنه قيادة المفاوضات مع الحوثيين لترتيب الوضع وإنهاء الحرب وفق صيغة يمكن التوصّل إليها لتقاسم السلطة.
على هذه الخلفيات تضيف المراجع الديبلوماسية انّ بشائر حَلحلة بدأت قبل مسلسل عودة السفراء الخليجيين الى لبنان وقد اشارت اليها محادثات وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان الاخيرة في بيروت. فهو مَن ابلغَ الى المعنيين عن تقدّم على مستوى العلاقات مع الرياض وأنّ هناك مشاريع حلول تطبخ لليمن ولا بد من ان تنعكس على الساحة اللبنانية، الامر الذي رفعَ منسوب الارتياح الى إمكان عودة العلاقات الطبيعية بين لبنان دول الخليج على أبواب مرحلة من الاستحقاقات الكبرى بعيداً من التعثّر الذي تعيشه المفاوضات الجارية في فيينا على مستوى الملف النووي الايراني.
وعليه، فإن صحّت هذه النظرية المتكاملة فإنّ عودة السفراء الخليجيين الى بيروت واللبنانيين الى دول الخليج تكون الثمرة الأولى لخطوات الانفراج على ان تليها القرارات المنتظرة لإعادة السماح باستيراد الصناعات اللبنانية بالدخول الى اسواق الخليج وبدء تنفيذ برامج المساعدات المقررة عبر الصندوق السعودي – الفرنسي الذي سيتوسّع تمويله واعماله على المستويين الأممي والدولي قريباً في انتظار ان تعبر الانتخابات النيابية المقبلة أياً كانت نتائجها. فالمعايير الضيقة التي يعطيها اللبنانيون لهذه المرحلة لا تنطبق على النظرة الدولية الشاملة الى الوضع في لبنان، وليس هناك من قوة لبنانية قادرة على مواجهة السيل الإقليمي والدولي عند انطلاقته.