IMLebanon

الأولوية الأميركية لبنانياً هي فرض الأمن

دعم الجيش ثمرة جهد لبناني من بيروت إلى واشنطن

الأولوية الأميركية لبنانياً هي فرض الأمن

تعبر واشنطن عن دعمها المستمر للجيش اللبناني. يمثل هذا الدعم أبرز توجه أميركي لدعم لبنان، في ظل انشغال الإدارة بملفات الشرق الأوسط الأكثر إلحاحاً. وهو في الوقت نفسه ثمرة جهد لبناني بين البلدين للتأثير على واشنطن

واشنطن | ثمة اعتراف أميركي واضح بأن اهتمام الإدارة الأميركية بلبنان تراجع، ولم يعد في مقدم الأولويات. لا يعني ذلك مطلقاً التخلي عن لبنان، بحسب لبنانيين عاملين على خط واشنطن وبيروت. لكن طغيان الحدثين العراقي والسوري والتمدد السريع لتنظيم «الدولة الإسلامية» فرضا إيقاعاً مختلفاً، على مفكرة أميركية مليئة أساساً بالانشغالات من الشرق الأوسط الى الصين وروسيا.

تتغير عناوين الاهتمام الأميركي في ملفات، بعضها عالق منذ أعوام طويلة كالمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبعضها حديث العهد كملف الأكراد، وأخيراً تنظيم «داعش». تبعاً لذلك، يتقدم وضع لبنان أو يتراجع، وفقاً لخطورة أي حدث يمكن أن يترك سلبيات مطلقة عليه. ويظهر جلياً أن لبنان يأخذ حيزاً من الاهتمام بقدر ما يمكن للأحداث الأمنية أن تقلب معادلات أساسية فيه جذرياً.

حتى الآن، لا خطورة استثنائية تحيط به. لعل مرد ذلك بعض الاطمئنان الى وضعه، فهو يقع في مرتبة وسطى بين الأردن، الذي ترتاح واشنطن الى استقراره، والعراق حيث تركز واشنطن حالياً جهدها لمواصلة دعم الحكومة العراقية، وسوريا حيث التحالف الغربي ــ الخليجي يحاول عبر ضربات جوية محدودة الحد من تقدم «داعش».

يتردد الحديث في واشنطن تلقائياً عن ارتباط الاهتمام بلبنان بأهمية دعم الجيش

أي حديث عن لبنان يقود مباشرة الى الجيش. يتردد الحديث في واشنطن تلقائياً عن ارتباط الاهتمام بلبنان بأهمية دعم الجيش. ويتجلى الاهتمام الأميركي به في أكثر من مكان، ولا سيما في الإشارة أكثر من مرة الى حجم المساعدات التي تقدم إليه وتطورها وسرعة تقديمها وكلفتها التي أصبحت عالية. هذا الدعم، وإن شابته في بعض الدوائر المحدودة انتقادات يمكن أن تطاول أداء الجيش أو حتى علاقته بحزب الله، يبدو في أرفع مستوى له. الأولوية اليوم لفرض الأمن كقضية مركزية، أما الجزئيات الصغيرة المتعلقة بتفاصيل لبنانية داخلية، فمتروكة الى حينه، لأن الوضع الإقليمي المتفجر هو الأكثر طغياناً. حتى غياب رئيس الجمهورية وعدم إجراء انتخابات رئاسية والتمديد للمجلس النيابي تظهر كأنها «تفاصيل» إزاء المشهد العام.

لا تبدو عبارة دعم الجيش «لازمة» نكررها يومياً فتفقد معناها مع الوقت. هنا تبدو الصورة مختلفة. فأي كلام أميركي يدور حول لبنان يمر حكماً عبر التركيز على أهمية تجهيز الجيش كعنوان رئيسي ومعبّر عن السياسة الأميركية الحالية تجاه لبنان. وهذا الدعم يبدو حتى الآن عنواناً وحيداً للمرحلة الحالية. لا علاقة له بأي ملف سياسي أو رئاسي لا من قريب ولا من بعيد.

وبقدر ما يتم التركيز على هذا الجهد المبذول، يظهر أن هذا الدعم لم يأت في صورة تلقائية، ولم يظهر فجأة على طاولة المعنيين بوضع لبنان. وفي المعلومات، فإن إعادة التصويب على الجيش هي ثمرة تأثير لاعبين لبنانيين فاعلين (غير عسكريين) في بيروت وواشنطن، وجهد مركز بدأ منذ أشهر طويلة لرفع مستوى الجيش. عمل هؤلاء، بحسب المعلومات، بصورة مكثفة وتفصيلية على خلق مجموعة داعمة للجيش، وحاولوا منذ وقت طويل تأطير الجهد الأميركي لمساعدة لبنان وحصره في قناة دعم الجيش كإطار شرعي وعسكري ضروري لحفظ الأمن والاستقرار، بعيداً عن الزواريب المحلية الضيقة. لم يرتبط هذا التحرك بعرسال ولا حكماً بطرابلس، ولا سيما أنه بدأ في فترات سابقة، فالجهد اللبناني الموثوق به من بيروت وواشنطن انصبّ على اتصالات ولقاءات مع مؤثرين في واشنطن، من أجل إعطاء الأولوية لحماية الجيش وتجهيزه وتنويع المساعدات والتدريبات العسكرية بما يتلاءم مع المخاطر التي يواجهها لبنان، وقدموا الى الأميركيين كل الأسباب الموجبة والإحاطة الشاملة بوضع لبنان والجيش.

يسعى هؤلاء، من بيروت وواشنطن على السواء، الى إبقاء ملف دعم الجيش حاضراً بقوة، وسط الملفات الإقليمية الكثيرة التي تشغل المعنيين في واشنطن، وهو جهد يتوزع على أكثر من مستوى مع دوائر مختلفة الاتجاهات والمستويات، لشرح ماهية المخاطر الإقليمية وتأثيراتها على لبنان، وما هي حاجات الجيش وأهداف دعمه كي يبقى قادراً على الإمساك بزمام الأمور.

يعوّل اللبنانيون العاملون بين العاصمتين على بناء إطار ثقة بالمؤسسة العسكرية، كضمان للاستقرار الأمني، بعيداً عن أي تسييس، مهما كان نوعه وحجمه المحلي. الانطباع الأساسي أن التأثير على الإدارة الأميركية نابع من أن هناك مؤسسة عسكرية قائمة استطاعت أن تصمد في وجه محاولات المس بها، يمكن دعمها كي تبقى قادرة على حفظ الوضع الأمني، وبأقل أضرار مكلفة، وبأن لبنان اليوم يحتاج الى قدراته العسكرية، مهما كان نوع المستقبل الذي يرسم له. وحتى الآن، يطمئن هؤلاء الى أن عملهم قد أثمر وستظهر نتائجه أكثر فأكثر.