بداية نحاول تفسير عبارة الاحصاء الكلي فنقول إن هذا النوع من الاحصاء يتناول قطاعات، لا نشاطاً واحداً، مثل مجمل المستوردات، ارقام التضخم، معدلات نمو الدخل القومي الخ.
إن هذه الاحصاءات توفر صورة أفضل عن وضع الاقتصاد مما توفره الاحصاءات الفردية. مثلا، نتائج عمل مصرف لا تعطي صورة عن النشاط الاقتصادي مهما كان المصرف كبيراً، في حين ان مجاميع احصاءات وارقام القطاع المصرفي توفر الى حد ما صورة عن اداء هذا القطاع وقدراته الكامنة على توفير المزيد من التسهيلات، ربما من اجل دفع الاقتصاد الى الأمام.
استناداً الى هذه التفسيرات، نود مراجعة المجاميع العامة للنشاط الاقتصادي عام 2014 كي نستخلص بعض العبر.
بداية، حساب ميزان المدفوعات يظهر عجزاً على مستوى 1408 ملايين دولار في مقابل 1996 مليون دولار عام 2011، وهذا العجز خلال الاعوام 2011 – 2014 لم يظهر في الاعوام السابقة بل حققنا فوائض اعوام 2008 و2009 و20190 بلغت توالياً 3462 مليون دولار و7899 مليون دولار وة3325 مليون دولار، وتراكم هذه الفوائض اسهم في تحمل الاقتصاد أوزار العجز طوال الاعوام الاربعة المنصرمة.
ولا بد هنا من الاشارة الى ان فائض عام 2009 الذي بلغ 7899 مليون دولار نتج في المقام الاول من تحويل اللبنانيين من المصارف الاجنبية مبلغ 24 مليار دولار بعد توسع الخوف من تاثيرات الازمة المالية العالمية التي تفجرت في خريف 2008.
وقد نشرت حديثاً أرقام عن حسابات للبنانيين أثرياء في مصرف HSBC في سويسرا، تظهر ان لدى اللبنانيين المقيمين والعديد منهم يعملون في افريقيا منذ سنوات مليارات الدولارات، وقد نشهد تحويلات منهم الى لبنان، وخصوصاً من سويسرا حيث الودائع غير المتحركة باتت تخضع لرسوم تتقاضاها المصارف المعنية، لكن هذا الامر يرتهن بتحسن الظروف الامنية والسياسية بشكل جدي قبل الاقدام على تحويلات. وغالبية هذه الحسابات تعود الى لبنانيين عاملين في افريقيا تعاملوا مع مصارف ادمون صفرا، المصرفي اللبناني الذي قتل في ظروف غامضة في مونتي كارلو.
حسابات التجارة الخارجية تبين انخفاض المستوردات 728 مليون دولار وانخفاض الصادرات 636 مليون دولار. وانخفاض المستوردات بالقيمة المشار اليها يعود الى انخفاض أسعار المشتقات النفطية بقوة منذ ايلول 2014. لكن انخفاض الصادرات، الذي يعود الى عوائق التصدير بالشاحنات عبر سوريا الى بلدان الخليج العربي، كان قوياً قياسا بصادرات عام 2011 التي بلغت 4265 مليون دولار في مقابل 3300 مليون دولار عام 2014، أي الانخفاض على ثلاث سنوات كان بنسبة 22,6 في المئة للصادرات، في حين بقي مستوى المستوردات كما هو في الفترة ذاتها، مما يعني تأخر لبنان عن تغطية جزء بسيط من مستورداته بالصادرات التي نحققها.
التحسن الوحيد الملحوظ في الاحصاءات المجمعة يظهر من مراجعة معدلات التضخم. فهذه انخفضت من 10,1 في المئة أعلى مستوى بلغته في السنوات الاخيرة عام 2012 الى الصفر أو في دون الصفر عام 2014، ولا شك في ان هذه الظاهرة ستعيد البحث في موضوع سلسلة الرتب والرواتب، والتي اذا أقرت بحسب الارقام التي كانت مطروحة قبل سنتين سترفع ظاهرة التضخم.
الدين العام ارتفع بنهاية 2014 الى مستوى 66 مليار دولار، منها 38,64 مليارا بالعملات الاجنبية، وهذا الرقم تدنى عن مستواه لعام 2013 نحو 240 مليون دولار، واستمر ارتفاع نسبة الدين العام بالليرة اللبنانية عنه بالعملات الاجنبية، وقد تتعدل الصورة بعض الشيء هذه السنة لأن هنالك اصدارات مرجحة بالعملات الاجنبية.
مجاميع حسابات المصارف ارتفعت بنسبة 6,60 في المئة وهي نسبة بسيطة بالمقارنة مع سنوات سابقة بلغت فيها النسبة 15 و18 في المئة، وجدير بالذكر ان مجاميع الحسابات هذه، أي مجموع الموجودتات، تشمل زيادات رؤوس الاموال. فاذا حسمنا هذه الزيادات والتي قااربت المليار دولار يكون مجموع الموجودات – باستثناء زيادات رؤوس الاموال – أقرب الى معدل 5 في المئة وهذا معدل منخفض وخصوصا اذا احتسبنا ان بعض المودعين يحافظون على نسبة من الفوائد التي تعود اليهم لزيادة ودائعهم.
نراجع أخيراً ثلاثة مجاميع قد تبين وضع الاقتصاد الكلي بصورة أدق.
رخص البناء التي يحوزها المستثمرون للاقبال على مشاريع تستوجب انقضاء ثلاث سنوات على الاقل لتحقيقها، وهذه الرخص تعبر تالياً عن النظرة التفاؤلية أو التشاؤومية للمستثمرين. عام 2014ن بلغت رخص البناء ما يوازي 13,5 مليون متر مربع في مقابل 12,9 مليون متر مربع لعام 2013، فتكون الزيادة فقط بنسبة 4 في المئة. وفي المقابل بلغت رخص البناء عام 2010، مساحة 17,6 مليون متر مربع، وأعلى ارقام تحققت عامي 1994 و1995 حين بلغت الارقام في ذروة تفجر التوقعات التفاؤلية 21,66 مليون متر مربع لعام 1994 و34,5 ملوين متر مربع لعام 1995.
التسليفات المصرفية للقطاع الخاص بلغت ما يوازي 50,9 مليار دولار بنهاية 2014، وهي تجاوزت للمرة الاولى حجم الدخل القومي المقدر، وساوت نسبة 106 في المئة من الدخل القومي، في حين كانت عام 2013 47,5 مليار دولار أي ما يساوي الدخل القومي.
أما التسليفات للقطاع العام، فقد ارتفعت عن هذه النسبة وصار من الواهجب علينا تفحص قدرة القطاع على التفاعل مع حاجات الاقتصاد. ويبدو ان هذه القدرة ستنخفض ما دامت زيادات الودائع محدودة، وحاجات اقتراض الدولة في تزايد، ويعني هذا الامر ان معدلات النمو التي انخفضت كثيرا لن تعود الى الارتفاع في المستقبل القريب.
معدلات نمو الدخل القومي انخفضت من 9 في المئة عام 2009 أي عام تدفق أموال اللبنانيين من الخارج الى لبنان، الى 7,5 في المئة عام 2010، ومن ثم وحتى تاريخه الى 1,5 في المئة، ولولا برامج مصرف لبنان لدعم الفوائد لما تحققت هذه النتائج المتواضعة اصلاً.
عام 2015 الى اين يأخذنا؟ من دون استقرار أمني وسياسي سيأخذنا الى مزيد من التدهور وانخفاض الانتاج.