Site icon IMLebanon

مناشدة لبنانية إلى خادم الحرمين الشريفين

حتى في لحظة العتب والغضب حضرت المحبة ولم يغب الحرص التاريخي على الشقيق العربي الصغير٬ الذي كانت له دائًما وستبقى حتًما رغم محاولات البعض خطفه وتغريبه وأسره وتفريسه٬ مكانة حميمية عند الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية.

أولم تقل يا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز٬ وجلالتك تعرف لبنان أكثر مما يعرفه أهله وتحبه أكثر مما يحبه الكثيرون من أبنائه «إن لبنان حبيب العرب وزينة الأسرة العربية»٬ وأولم يقل الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله «إن لبنان واسطة العقد ومقلة العينين»٬ أولم يكن لبنان هًما سهرت المملكة على معالجته دائًما على امتداد تاريخ هذه المنطقة٬ وما شهدت من صراعات ومناكفات تقاطعت فوق هذا البلد الصغير وكادت تجرفه؟

ألم تكن السعودية دائًما سنًدا وبلسًما حامًيا٬ قبل مؤتمر الطائف الذي أنهى حربنا المديدة وصار دستور البلاد٬ وبعد الطائف مرجًعا ساهًرا معيًنا وداعًما دون منة أو طلب في الملمات وما أكثرها٬ سواء كانت الملمات عدواًنا إسرائيلًيا تعّرضنا له و«لم نكن نحسب» كما قيل٬ وسواء كانت الملمات أزمة مالية واقتصادية سارعت الرياض إلى معالجتها عبر وديعة في البنك المركزي اليوم وبدفق من الملايين تمويلاً للإعمار غًدا؟

في لحظة الغضب لمَتِغب المحبة٬ لهذا عندما صدر البيان السعودي معلًنا وقف الدعم العسكري للجيش وقوى الأمن الداخلي تعّمد المصدر السعودي القول: «إن المملكة عملت ما في وسعها للحيلولة دون إيقاف الدعم للجيش وقوى الأمن الداخلي٬ وإن السعودية تؤّكد وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني بكل طوائفه ولن تتخلى عنه وستستمر في مؤازرته».

هكذا بالحرف رغم أن «مواقفها إلى جانبه من دون تفريق بين طوائفه وفئاتهُتقابل بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظل مصادرة ما يسمى حزب الله لإرادة الدولة»٬ هذا صحيح وُمحق تماًما٬ ولم يعد كافًيا القول همًسا أو وشوشة «إن لبنان مخطوف وهو من دون رئيس منذ سنة ونصف وإن (حزب الله) الحاكم الناهي وعلى الحكومة إعادة حساباتها».

إذا كان لبنان مخطوًفا كما يقال فليس كافًيا ولا من المقبول أن يتحّول منصة تهتف للأشقاء في الخليج «ساعدونا ولا تعاقبونا»٬ ربما لأن من الضروري أن ينظر المرء إلى ما وراء الأشياء أحياًنا٬ فسلسلة الإجراءات العقابية السعودية والخليجية صحيح أنها ضد لبنان٬ لكنها أيضا لإيقاظ البعض لا بل الكل في لبنان٬ وإذا كان لبنان مخطوًفا وعلى الأشقاء الخليجيين محاولة إطلاقه فعليه هو أكثر أن يحاول التملص والخروج من هذا الخطف٬ وليس من حق أحد اعتبار هذا الكلام حًضا على اشتباك أو على صراع أمني داخلي لبناني٬ ففي وسع الموقف أن يكون سلاًحا وفي وسع الكلمة أن يكون لها فعل في النهاية.

وإذا كان للبنان مكانة حميمية تبقى في قلب السعودية ودول الخليج٬ فإن السفارة السعودية في بيروت لم تكن هذا الأسبوع مكاًنا قادًرا على استيعاب الدفق البشري الذي انهال عليها من كل المناطق والفئات اللبنانية٬ في تعبير واضح وصريح عن رفض مواقف التهّجم والافتئات وحتى الشتائم ودحض السياسات الصبيانية والسطحية المنحازة والمؤذية٬ التي سببت أيًضا اتخاذ الإجراءات السعودية والخليجية ضد لبنان٬ وفي النهاية ليس خافًيا على الرياض مكانتها العميقة والحميمة عند غالبية الشعب اللبناني.

لهذا قال السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري الذي وقف لساعات يستقبل الوفود إن هذا التحرك العفوي خير تعبير عن محبة الأشقاء اللبنانيين لقيادة المملكة العربية السعودية وحرصهم على صون العلاقات الأخوية والتاريخية٬ وهو تحرك يؤّكد أن بعض الأصوات والجهات التي تحاول النيل من هذه العلاقة لا تعبر عن لبنان الذي نعرفه جيًدا٬ لبنان الهوية العربية٬ لبنان الوفاء للأشقاء ولبنان المنسجم مع محيطه وثقافته وتاريخه.

أمران جعلا لبنان يتعّرض لهذه الإجراءات السعودية والخليجية الموجعة وهما:

أولا: تراكم التقصير والإهمال كي لا نقول العمى عند الحكومة المنقسمة٬ وتراكم الإساءات والتجنيات والاتهامات المغرضة وحتى الشتائم الفظة٬ ولن أذهب بعيًدا وسأكتفي بأمثال معيبة فعلاً:

في أغسطس (آب) من عام 2014 بعد ارتفاع التهديدات الإرهابية واقتحام «داعش» و«النصرة» عرسال وخطف العسكريين اللبنانيين٬ قرر الملك عبد الله تسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن بما قيمته ثلاثة مليارات دولار ثم أضاف ملياًرا رابًعا٬ وجاءت الردود في التصريحات والإعلام الذي توجهه إيران التي لا تريد قيام الجيش القوي٬ أن السعودية تدعم الإرهاب وتمّول الإرهابيين٬ هكذا بالحرف السعودية تسلّح الجيش ضد الإرهاب٬ الذي تشن عليه حرًبا ضروًسا منذ أعوام٬ فيقال:

إنها تدعم الإرهاب وبالكاد نسمع ردوًدا غاضبة من الحكومة في بيروت خشية أن يفرط «حزب الله» عقدها!

في التراكمات أيًضا: كرر المسؤولون الإيرانيون دائًما كلاًما مهيًنا يقول: إنهم باتوا يسيطرون على بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت٬ فاحتّج المرجع علي السيستاني وتم استدعاء السفير الإيراني وُسلّم احتجاًجا عراقًيا٬ لكن الخارجية اللبنانية لم تحرك ساكًنا٬ ولا أصدرت الحكومة بياًنا معترًضا لأن «حزب الله» شريك فيها٬ وعندما قيل في طهران إن حدود إيران باتت على شواطئ لبنان٬ ظل أهل الكهف اللبناني الرسمي في النوم.

أحرقت السفارة السعودية في إيران فخرج لبنان عن الإجماع العربي في إدانة هذه الجريمة٬ التي اضطر علي خامنئي إلى إدانتها استلحاًقا٬ ولم نصدر بياًنا استلحاقًيا بالمثل على الأقل٬ وذهب وزير الخارجية إلى هرطقة الربط بين الحرص المزعوم على الوحدة الوطنية اللبنانية والخروج عن الإجماع العربي٬ ولكأن عدم إدانة حرق السفارة لا يضرب الوحدة الوطنية في الصميم!

اجتمعت الحكومة ست ساعات بعد القرار السعودي لتصدر بياًنا خشبًيا من عدة أسطر لم يجرؤ على الإشارة إلى تدخل «حزب الله» في سوريا ودول الخليج ولا حتى على ذكر كلمة سوريا٬ وتحدث عن الحرص على لقمة عيش اللبنانيين العاملين في الخليج٬ ولكأن لقمة العيش أهم من الكرامة الوطنية وعروبة لبنان وانتمائه إلى الأسرة العربية!

ثانًيا: وهو الأهم لم يدرك المسؤولون اللبنانيون أن «عاصفة الحزم» التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين شّكلت منعطًفا سياسًيا حاسًما ومصيرًيا على مستوى الإقليم٬ إذ لم يعد يفيد الصمت على العربدة الإيرانية ليس في اليمن فحسب بل من المحيط إلى الخليج٬ وكما قال عادل الجبير لجبران باسيل إما أن يكون لبنان معنا أو مع إيران.

لكن لبنان يا خادم الحرمين الشريفين٬ قلًبا وقالًبا مع السعودية وهويته العربية٬ وجلالتك تدرك ذلك أكثر من اللبنانيين٬ والزحف إلى سفارتكم في بيروت تأكيد على رفض الأسر الإيراني وتأكيد على الخروج منه٬ وهو ما يستدعي دائًما مساعدة الأشقاء… ولن أنسى قط يا خادم الحرمين الشريفين يوم قلت لي عندما شّرفتني وسلّمتني إلى العقيد منصور العسكر في وزارة الدفاع السعودية في 25 يونيو (حزيران) 2012 ليصحبني في جولة رائعة على الجنادرية: «إن لبنان في قلوبنا»!