يؤكّد ديبلوماسيون وسياسيون أنّ لزيارة وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف لبيروت اليوم علاقة بخصوصيات الملفّ اللبناني، لوقوعِه على خط تماس مع المواجهة القائمة بين إيران والغرب على أرض سوريا. فهل يَنجح ظريف في تكوين صورة إيجابية عن الدور الإيراني؟
قبل أن يقرّر ظريف القيام بجولته في منطقة الشرق الأوسط، كان قد أجرى جولة مماثلة في الخليج العربي زائراً فوق العادة، في دوَل مجلس التعاون الخليجي باستثناء الرياض، فتوَسّع في شرح الظروف التي رافقَت توقيعَ التفاهم النووي بين إيران ومجموعة الدوَل السِتّ، قبلَ أن تشَرّع الأمم المتحدة الإتفاق شَكلاً ومضموناً وتُسبغ عليه صفة الاعتراف الدولي بـ«إيران النوَوية الجديدة» على مراحل، لتعودَ مِن «محور الشر» إلى الساحة الدولية بكلّ حضورها السياسي والديبلوماسي، وفقَ مقتضيات نظامها كجمهورية إسلامية لها خصوصية لا تشبه أيّ دولة أخرى في العالم.
على هذه الخلفيات ينتظر اللبنانيون الزيارة التي ستمتدّ من اليوم إلى عصر غدٍ بفارغ الصبر، لاستشكاف الجديد في الموقف الإيراني من ملفّ الانتخابات الرئاسية، بعدما بات نقطةً أساسية على جدول أعمالها، كما تقول المصادر التي شاركت في ترتيباتها.
بالإضافة إلى ما يعرفه اللبنانيون مِن ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية التي حيَّدَت لبنان عن نزاعات المنطقة وجَعلته في مصاف الدوَل المحيطة بزنّار الحدّ الأدنى من التوافق وبينها والمملكة العربية السعودية التي نسَجت خيوطَها قبل الشغور الرئاسي وأبعدَت لبنان عن جحيم النار السورية المشتعلة أيّاً كانت تردّداتها على دوَل الجوار السوري الأخرى.
وقبل أن ينتقل ظريف بَرّاً من بيروت إلى دمشق عصر غدٍ يكون قد أجرى محادثات مكثّفة ستضطرّه إلى تمضية وقتٍ لا بأس به في سفارة بلاده التي ستَشهد سلسلةً مِن اللقاءات التي يَحول دونها ضيقُ الوقت وزحمة السير، من دون أن يقصدَ المراجع السياسية والحزبية التي يَرغب بلقائها، عدا عن ساعات الليل المخصّصة للّقاءات ذات الخصوصية الأمنية الدقيقة.
قبَيلَ زيارة ظريف كان السفير الإيراني محمد فتحعلي قد جالَ على الأطياف اللبنانية والتقى قادةَ الأحزاب مبشّراً بـ «الانتصار الإيراني» في الملف النووي، وشارحاً وجهة نظر بلاده ممّا حقّقَته من اعتراف دولي بقدراتها النووية السِلمية، واستعدادات طهران لاستقبال برنامج رفعِ العقوبات الماليّة والاقتصادية، تمهيداً لاستعادة مليارات من الدولارات جُمِّدت في المصارف نتيجة عقود أبرِمت وصودِرت أثمانُها في أكثر من دولة في العالم على وقعِ الاستعدادات الاقتصادية والمالية والإستثمارية التي تستعدّ لها طهران للعودة إلى الميادين الدولية.
كلّ هذه العناصر معروفة، وقد أفصَح عنها فتحعلي في مناسبات عدّة، وما لم يُعرف من نتائج جولته الاستباقية لزيارة ظريف محصور بما تلقّاه من «سلسلة النصائح» من المراجع السياسية، ولا سيّما منها المسيحية التي دعَته إلى إعادة توصيف الدور الإيراني في لبنان، فالصورة قد تكون «مشوّهة» لدى فئة كبيرة من اللبنانيين، وهم يحَمّلون إيران مسؤولية التصَلّب الذي يُبديه «حزب الله» تجاه النصاب القانوني لانتخاب رئيس جديد للجمهورية على رغم كلّ التأكيدات الإيرانية من أنّ الأمر منوط بتوافق اللبنانيين، وما تراه قيادة «حزب الله» ستكون إيران إلى جانبه بلا دخول في كثير من التفاصيل.
أمّا بالنسبة إلى دور حزب الله في سوريا، فيعتقد بعض القادة المسيحيين الذين التقوا فتحعلي أنّ على إيران أن تكون منسجمة مع نفسها من خلال معادلة بسيطة تقول إنّ الإصرار على تحييد لبنان عن النار السورية دونه شرط أساسي يتمثّل بالعمل على سحبِ حزب الله من سوريا ووقفِ مشاركتِه في الحرب هناك وتسهيل عودة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة، خصوصاً أنّها مناطق سُنّية بامتياز، ولم تسَجّل برامج العودة إليها سوى على مستوى إعادة المسيحيين ولو بنحو محدود، وكلّ ذلك حِرصاً على مستقبل العلاقات بين أكثرية السوريين السُنّة واللبنانيين، ولا سيّما منهم الشيعة، بعد أن تكون الحرب في سوريا قد وضَعت أوزارَها يوماً ما مهما طال الزمن.
وعلى هذه المعطيات تتوسّع القراءات في نتائج الزيارة ولا تنتظر منها تحَوّلات وإنجازات فورية، فهي حلقة في مسلسل طويل لم يَحِن أوانُ استثماره نهائياً. عدا عن المخاوف من أن تنتجَ الزيارة مزيداً من التشنّج الداخلي كما على مستوى الأزمة السورية، فالجميع يدرك أنّ مرحلة ما بعد «إتفاق فيينا» ليست مفروشة بالورود، والخلافات تعصف بالداخل الإيراني كما الأميركي، وفي العالم العربي والخليج كثيرٌ من تداعيات النزاع في إدارتَي الطرَفين.