يشعر اللبناني بأن أي اعتداء على الجيش هو اعتداءٌ عليه يُطاوله في قلبه ووجدانه. وإذا كانت التضحيات التي يُقدمها جيشنا هي ضريبة الشرف والتضحية والوفاء، إلا أنها موجعة. فالجيش هو في بيوت اللبنانيين بأكثريتهم، وفي مناطقهم كلها. ويتعذّر تصوّر لبنان من دون الجيش.
يوم غاب الجيش عن الدور (والأصح يوم غُيّب الجيش)، تمادت حرب 1975 وعرفت من الفظائع والفواجع والكوارث ما كان يمكن تلافيه لو أُسند الأمن إلى العسكر.
ويوم تقررت استعادة العافية، كان متعذّراً تحقيقها لولا الجيش. وقُدّر لي أن أشهد ولادة إعادة اللحمة إلى الجيش في مطلع التسعينات، من خلال قرار «الدمج» الشهير… وفي أيامٍ معدودة، أُنجِزت تلك العملية الرائعة وحققت نتائجها المأمولة.
في تلك الحقبة، ثبّت الجيش الأمن من خلال خطواتٍ مهمة بدءاً بحل الميليشيات ونزع سلاحها، وتطويع من أراد من عناصرها في صفوفه الذي كان له من القدرة والعقيدة الوطنية الصافية أن استوعبهم وهضمهم.
آية تلك المرحلة كانت إقرار التجنيد الإجباري الذي عُرف بـ»خدمة العلم». فالتقى الشباب اللبناني الآتي من مختلف المناطق والطوائف والمذاهب على عقيدةٍ واحدة داخل الجيش وهو الترجمة الفعلية للقول المأثور «الدين لله والوطن للجميع». وبالفعل، شهدنا على نماذج تكاد لا تُصدّق. فقد «اكتشف» الشاب اللبناني المسيحي أن الشاب اللبناني المسلم هو أخوه في الوطنية وليس آتياً من كوكبٍ آخر لكي «يأكله»، والعكس صحيح، فهذا ما اكتشفه الشاب المسلم.
ولنتصور، اليوم، لبنان من دون جيش! لن ندخل في التفاصيل. فقط نقول إن المشهد سيكون مروّعاً!
وبعد الجريمة الإرهابية أمس بالاعتداء على الجيش في البدّاوي وسقوط أربعة شهداء، يتبيّن بوضوح أن أفاعي الإرهاب لا تزال تختبئ في أوكارها، وأنها تفحّ مستعدّة لبث سمومها كلّما سنحت لها الفرصة. ومن يطّلع على ما يحققه الجيش في هذا الإطار، خصوصاً من كشف الخلايا الإرهابية النائمة والمتحرّكة، يُدرك بداهةً كم أنه يدرأ الأخطار عن هذا الوطن.
وإذ نطالب بالعودة إلى قانون خدمة العلم الذي ألغاه النواب تهرّباً من أن يشمل أبناءهم المدلّلين، نختم بتكرار قولنا – الشعار: «إذا كانت الجيوش ضرورةً للأوطان، فالجيش هو قدر لبنان».
خليل الخوري