يدرك الجيش اللبناني حجم المهمات والصعاب الملقاة على عاتقه في هذا الظرف الدقيق، ويتعامل مع ملف الحدود الجنوبية بحذر ودقة وعدم تنازل، في وقتٍ لا تغفل عيناه عن الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا، رغم تصريحات البعض التي جاءت بخلفيات سياسية.
لافتة كانت الانتقادات التي وجهها نائب بعلبك الهرمل سامر التوم إلى قيادة الجيش ووضع ما تقوم به في جرود السلسلة الشرقية من شبكة مواصلات تربط المراكز العسكرية بعضها ببعض، في مرمى الشبهات وتبذير الأموال من دون رقيبٍ أو حسيب، سبقه رئيس تياره النائب جبران باسيل الذي شنّ هجوماً على قائد الجيش العماد جوزاف عون لحسابات تتصل بالملف الرئاسي متهماً إياه بالفساد، فيما تغلي البلاد على صفيحٍ ساخن، ويترك الشغور في المراكز العسكرية والقضائية أثره على يوميات المؤسسة العسكرية.
شكّلت الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا على مدى عشرات السنوات مرتعاً للتهريب على اختلاف أنواعه، حيث نشطت العصابات التي عملت على نقل البضائع والمازوت من لبنان إلى سوريا وبالعكس، إضافةً إلى تشكيلها خطراً على الداخل اللبناني مع دخول سوريا في أتون الحرب التي بدأت عام 2011، حيث لجأت إليها المجموعات التكفيرية من «داعش» و»جبهة النصرة»، واستخدمتها منطلقاً لعملياتها ضدّ الداخل اللبناني والجيش، فكانت منصةً لاطلاق الصواريخ وتهريب السيارات المفخخة التي استهدفت بعض البلدات البقاعية.
ومع بداية الأحداث بدأ الجيش اللبناني بالتمركز على أطراف السلسلة الشرقية لحماية الداخل اللبناني، وعملت الحكومة البريطانية بالتوازي على دعم الجيش وتطوير قدراته ليتمكّن من تأمين تلك الحماية، حيث موّلت بريطانيا الجيش، وبدأت منذ عام 2013 بإنشاء مراكز مراقبة على طول الحدود، من بلدة معربون على الحدود مع سرغايا السورية، مروراً بجرود بعلبك، نحلة، عرسال، رأس بعلبك، القاع، وصولاً حتى أطراف الهرمل، إضافة إلى إنشاء أفواج الحدود البرية في الجيش تباعاً، وقد تسلّمت المهمة في جرود المنطقة، وهي تدعم الجيش كونه الممثل الشرعي والوحيد لسلطة الدولة على الأرض.
على مدى ثلاث سنوات، افتتح قائد الجيش العماد جوزاف عون عدة شبكات مواصلات وطرقات تصل المراكز العسكرية في جرود السلسلة الشرقية بعضها ببعض، فكانت البداية في جرود بلدة بريتال بدءاً بالنبي اسباط وبعلبك، ثم بلدات عرسال ورأس بعلبك والقاع، وليس آخراً في جرود الهرمل أواخر العام المنصرم، لتصل المسافة التي تمّ تزفيتها إلى أكثر من 70 كلم، في وقتٍ يستكمل تأهيل وتعبيد باقي الطرقات. ومن جرود الهرمل أطلق العماد عون حينها سلسلة مواقف ردّاً على اتهامات طاولته والمؤسسة. وكانت الأحداث التي جرت خلال فترات سابقة توحي كأن تلك المنطقة وعائلاتها في حالة حرب مع المؤسسة العسكرية، فكان القرار بفتح قنوات التواصل والانماء من باب شق الطرقات وتسهيل وصول المزارعين إلى أراضيهم.
مصادر عسكرية تشير لـ»نداء الوطن» إلى أنّ «ما أنجز من إنشاء أبراج المراقبة وما ينجز حتى الآن هو لكي يستطيع الجيش التعمق أكثر ضمن الجرود، إذ ساهمت في جعلها تحت سلطة الدولة والجيش، بعدما كانت مستباحة ومتاحة من قبل المهربين والجماعات المسلحة إبان الحرب السورية، الأمر الذي دفع بريطانيا إلى تمويل وتجهيز أبراج المراقبة وأفواج الحدود البرية التي تسلمت المنطقة».
وأكدت «أن شبكة الطرقات تلك، وبسبب طول الحدود وعدم قدرة الجيش على ضبطها بالكامل تسهم في تنقّل الدوريات بوتيرة أسرع، مع نصب كمائن لاحباط عمليات التهريب وتسلل النازحين من الجانب السوري، ناهيك عن معرفة الجيش بأنّ وقف التهريب وضبط الحدود بشكل نهائي أمرٌ مستحيل، لكنه يعمل قدر المستطاع على ضبطها، وإقفال كل المعابر القديمة، وتلك التي يستحدثها المهربون».
من جهته، يؤكد رئيس بلدية القاع بشير مطر لـ»نداء الوطن» أنّ «علاقة الجيش بالقاع تترجم من خلال خدمة أبنائها في صفوفه، وقد فاق عددهم الألفين وخمسمئة شخص، ومنذ أن نشأنا لم نرَ وجوداً عسكرياً في المنطقة، وهو مطلب دائم لنا منذ عام 1958 حتى اليوم، وطالبنا بوجود ثكنة عسكرية، واليوم وجوده على الحدود، وفي كل المناطق يعطينا الأمان، الأمر الذي دفع بالناس للعودة إلى أرضها والاستثمار فيها».
وأضاف: «إنّ الطرقات وشبكة المواصلات التي افتتحها الجيش على مراحل، جاءت لتخدم أهدافاً عسكرية استراتيجية وتصل المراكز بعضها ببعض، وسهّلت وصول المزارعين والأهالي إلى أرضهم، بعدما استحال الأمر عليهم قبل، بحيث تم استثمار بعض الأراضي بعد شق الطرقات، وهي شبكة تساهم في إنماء منطقتنا، إضافة إلى مشاريع مستقبلية كمناطق صناعية وزراعية، تصب في خانة الإنماء المتوازن المحرومين منه منذ عقود».