Site icon IMLebanon

أبراج وأمن قومي

 

أن يفتح إعلام ممانع ملف أبراج المراقبة التي أنشأها البريطانيون لأفواج الحدود البرية الأربعة في الجيش اللبناني على الحدود السورية، فيصنفّها «تهديداً للأمن القومي السوري» يعني أنّ إيران تضيف أوراقاً جديدة إلى محفظتها التفاوضية، من جهة، وتبتز المجتمع الدولي، وبالأخص الأميركي، بالتعرض لدور الجيش، في لحظة الرهان عليه ليتولى تنفيذ القرار 1701.

 

فتسريب خبرٍ عن رسالة رسمية سورية تعترض على وجود هذه الأبراج، ليس سوى حلقة من الحلقات المدرجة تحت خانة وظيفة الأذرع، ومن ضمنها النظام الأسدي، خدمة لرأس المحور، وفي هذا التوقيت تحديداً مع الإمعان في ربط لبنان بتطورات الحرب على غزة، على اعتبار أنّها صنيعة بريطانية إمبريالية استعمارية مشبوهة، والأهم أنّ هذه الأبراج مزودة بتقنيات تسهل العمليات الإسرائيلية على الداخل السوري.

 

وهذا الملف الذي رماه الإعلام الممانع في بازار التداول يؤكد أن الجيش اللبناني هو المستهدف في مضبطة الاتهام السوري هذا، وليست بريطانيا العظمى ومواقفها وسلوكها تجاه الحكومة السورية أو حتى دعمها العدو الإسرائيلي بالمعلومات وبالسلاح والذخائر وتدريب بعض الجنود الإسرائيليين على أراضيها.

 

فهذا الجيش يعوِّل عليه المجتمع الدولي ويعمل على دعمه ويسعى إلى تنظيم مؤتمرات لهذه الغاية، على أمل أن يُسلمه مهمة تنفيذ ما نصّ عليه القرار 1701، بعد التوصل إلى اتفاق مع «حزب الله» يبصم عليه مندوبو «الحزب» في الدولة اللبنانية، لجهة وقف الأعمال الحربية والهجمات العسكرية بين «حزب الله» وإسرائيل. وعماد هذه المهمة يتطلب تعزيز انتشار الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية جنوب لبنان وتقوية عديده. لذا من الطبيعي أن يرفضه رأس المحور الممانع لأنه يشكِّل شوكة في خاصرته. بالتالي ممنوع أن تقوم له قيامة تؤثر على استفراد وكيله بقرار الحرب والسلم في لبنان، وربط مصير اللبنانيين بمصالح إيران.

 

وهكذا وبمزيج من التذاكي والانتهازية، يتم قصف الجيش اللبناني بحجة «الأمن القومي» السوري المنتهك أساساً، أو حتى المنتهي تماماً بفعل بيع السيادة الوطنية مقابل حماية النظام الأسدي، والتغاضي عن تمدد سيادات روسية وتركية وأميركية، مع الحظوة الاستثنائية للوصاية الإيرانية الشاملة والكاملة من خلال اتفاقات واستجلاب ميليشيات بعضها لا علاقة له باللغة العربية، كما هي حال «لواء الفاطميين» الذي ينضوي في صفوفه مقاتلون أفغان وباكستانيون، والذين يتم منحهم جنسية سورية بغية ترسيخ أسس التغيير الديموغرافي الذي يطيح بكل ما هو قومي.

 

ففي غمار هذه المعمعة، يأتي فرمان يوجب تغييب أي دور يمكن أن يتولاه الجيش اللبناني لحماية حدوده، شمالاً وبقاعاً وبحراً وجواً، وليس فقط في الجنوب اللبناني، الذي تحول ساحة محروقة بفعل الإجرام الإسرائيلي، وقد يبقى كذلك إذا ما استعصى التوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب غزة، ويدخل لبنان معه في حرب استنزاف تعرض كل مناطقه إلى الاعتداءات، وكأن المطلوب اقتصار صورة هذه المؤسسة الضامنة للوطن على ضعفه، بسبب مؤامرة الإدارة الأميركية عليه، التي ترفض تسليحه بما يعينه على مواجهة إسرائيل.

 

هذه الإدارة التي تتعامل في ملفاتها المتعلقة بلبنان مع «الحزب»، كونه الضامن الوحيد لتنفيذ بنود الاتفاقات، كما في مسألة ترسيم الحدود البحرية، وكأنها تكرسه الحاكم الفعلي، وليس المؤسسات الرسمية في الدولة اللبنانية.

 

فورقة تغييب الجيش اللبناني التي ضمتها إيران إلى محفظتها التفاوضية، «فَرْضُ عين» تلتزم أذرع الممانعة بتطبيق بنودها، حتى لو كان اتهام الأبراج يشكل ضربة قاضية للأمن القومي اللبناني، ليلتحق بواقع الحال الذي يسود ما تبقى من كيان النظام الأسدي وغيره من الكيانات التي يتباهى مسؤولون إيرانيون بأنها تقع تحت نفوذهم.