في بلد الأحاجي المعروف باسم الولادة؛ لبنان، ثمة حاضر كبير، غائب كبير، هو الجيش. البلد في حالة حرب، والجيش بعيد، أو مستبعد. ثمة قوى جيشها ليس الجيش، وثمة قوى تطالب بالجيش وحده قوةً مسلحة، والمقاومة تقول إن الجيش غير قادر وحده على حماية نفسه وبلده، لذلك، كان لا بد من ثلاثية وطنية مقدسة: شعب وجيش ومقاومة.
لكن منذ القيام إلى مساندة غزة، وإشغال العدو الإسرائيلي، الشعب مشرد على الطرقات، والجيش لا ذكر له، والمقاومة ترفض أي شريك وطني في الدفاع، خشية أن «تؤدّي الحساسيات إلى حرب أهلية». هل يعقل؟ أي هل يعقل أن يؤدي دفاع جيش عن شعبه ووطنه إلى حرب أهلية؟ يا سيدي يعقل. هذا لبنان والجميع في إجازة قسرية… الدولة، والرئاسة، وسعادة الأخ يعقل.
الجميع، أي جميع البشر وسائر الأمم، يعرف أن الحل الوحيد في هذا المأزق الرهيب، هو الاتفاق على دور رئيسي، أو رئاسي للجيش، يعود خلاله لبنان إلى المؤسسات وسلوك الدولة وعلاقته بأمته، وطليعة ذلك أن يستعيد هويته ودوره في الجامعة العربية، وبدل أن يقبع في المطار البائس، يستقبل ويودع قوافل المسؤولين الإيرانيين، يعطي إذناً كتابياً يسمح فيه بمصافحة مسؤول عربي، جاء يتفقد ماذا بقي من تلك الدولة الصغيرة، التي كانت بين سبع دول أسست الجامعة العربية في القاهرة، وليس في طهران.
لا حل ممكناً في هذه المحنة الكبرى. كان عملاً تجاوزت خسائره جميع مقاييس ومفاهيم المساندة. أولاً، بفقدان قائد المقاومة، وأركانه، وطليعة عسكرييه.
التنسيق مع الجيش كان سيعطي المقاومة الشرعية الدولية الأساسية، أما الإسناد لمأساة غزة، فكان يقتضي أولاً موافقة الأكثرية البرلمانية، وإقرار الحكومة، والتنسيق مع الجيش.
لكن الذي حدث مسألة مواجهة بين إيران وإسرائيل، لعبت فيها المقاومة دور المساند لإيران. لكنها، للأسف، بدت كأنها بذلت ما في طاقتها في سبيلها، من الأكباد والأرواح، والمال، والأرزاق، والطاقات. وزاد من هذه الصورة الطريقة التي جاء بها المسؤولون الإيرانيون إلى الضاحية، ولم يبقَ فيها أحد يقوم إلى استقبالهم.