مهلاً، فهذا العنوان الذي يمكن أن يثير الرعب عندنا لا يتحدّث عن لبنان، بل عن دولةٍ لا طائفية تحترم نفسَها وشعبها، وستظهر في المقال.
في إعلام إسرائيل : إسرائيل هُزِمت.
في إعلام عرب الاعتدال: حزب لله هُزم.
في إعلام لبنان: أصدقاء المقاومة: حزب الله انتصر. أخصام المقاومة: حزب الله هُزم.
ينبغي أن يسأل كل لبناني نفسَهُ، وهو يراقب مجريات وقف النار بعد صدمة المعارك الأخيرة الضارية على الحدود وإحراق خمسين دبابة بطواقمها، وضرب تل أبيب، سؤالاً هادئاً، ويجيب نفسَه بنفسه بهدوء: علناً، كانت إسرائيل تريد إذلال المقاومة بسحقها وسحق بيئتها، فهل مستوى التدمير البشري والعُمراني الهائل في الضاحية والجنوب والبقاع هو الدليل على الإذلال، أم أن الإذلال كان يمكن الكلام عنه لو أن جيش إسرائيل تمكّن لا من عشرة كيلومترات في الجنوب كما كان نتنياهو يهدف، بل من كيلومتر واحد من « الخيام» أو «بنت جبيل» أو من «الخردلي»؟
لا يريد السؤال التعمية عن الخسائر، فهي فوق ما يتصور كل بشري ما عدا اليهود الذين هذا دأبُهم ودَيدنهم منذ احتلوا فلسطين وبعض الدول العربية واغتصبوا أراضي فيها، وأطبقوا أخيراً على أفواه الدول الباقية. يريد السؤالُ الإضاءةَ على أن الحرب على الأرض هي الأساس، والتدمير الوحشي من الطيران الحربي كان لإعاقة البيئة الحاضنة للمقاومة على الأرض لا أكثر، في حين كانت عيون نتنياهو العَشرة على «الخرق» الذي سيستطيع جيشه تحقيقه. أنا «أتابعُ» في كلامي هذا ما كان نتنياهو يفكّر ويصرّح ويتباهى به، ويسعى إليه على الأرض. كان نتنياهو يعرف جيداً أنّ مبالغاته الجوية لن تقدّم إنجازاً حربياً يستطيع زرعَه في المفاوضات، إذا حان وقتها. أجَّلَ ثم أجَّل ثم أجَّل تحت عصف الغارات، لإعطاء فرَص زمنية لجيشه للتقدم وتثبيت ركائز ميدانية في أي مكان «مهم» عسكرياً، فلم يوفَّق. فجاء الضغط الدولي، الأميركي أولاً ثم الفرنسي، فلم يستطع التهرّب أكثر، وكانت الموافقة على الاتفاق!
التعليق الأول لمستوطني شمال إسرائيل النازحين إلى مدن «بعيدة» عن الحرب كان «إنها صفقة استسلام». وتوالت بعدها أخبار الإعلام العِبري تنقل عن المستوطنين في أمكنة متفرّقة «الآن أدركنا أنه يضَحَّى بأبنائنا في معارك «سياسية». وليس المستوطنون مُغالين في أقوالهم، فهُم يحاسبون نتنياهو على تصاريحه العنترية لهم بإبعاد «حزب لله» إلى ما وراء الليطاني، وعودتهم النهائية الآمنة، والخلاص التام من السلاح التكتيكي والاستراتيجي المسلّط عليهم، فاكتشفوا أن كلام رئيس وزرائهم خيالي ولا واقعي وهدفه تطمينهم مرحلياً لا لانتصارٍ آتٍ، بل لإمرار «مرحلة سياسية» عنده، فانتهت الحرب ببقاء حزب لله في القرى والبلدات التي هي مسقط رؤوس مقاتليه ولو بطريقة خفيّة.
الكلام كلّه في إسرائيل، سياسياً وعسكرياً وعلى صعيد المجتمع أن نتنياهو «كذّاب»، وغاياته شخصانية وقد «باعَنا أوهاماً ونحن اشتريناها لحاجتنا إليها فإذا بكل شيء ينقلب علينا».
صحيفة عِبرية كتب رئيس تحريرها «إنّ شرط نتنياهو بحرية نشاط طيرانه وضرب أماكن معادية لنا في المستقبل القريب والبعيد لا قيمة لهُ طالما أن الردّ عليه سيكون متاحاً لحزب لله من وراء الليطاني أو حتى من البقاع، وإنّ تهجير أهالي جنوب لبنان مجدّداً سيكون متوازياً مع تهجير سكان شمالنا فوراً. فما هو هذا الانتصار يا نتنياهو؟».
لا شكّ في أن أزمة نتنياهو مع مستوطني شمال فلسطين ستكون كبيرة ومعقّدة. وربما لن يعود أغلبهم إلى مغتصَباتهم، ما سيُعقّد المشهد أمامه أكثر، وسيضطرّه إلى تغيير أسلوب تعامله معهم، وسيُبدي ليونة مدفوعة بغضّ نظَر عن تكرار ما كان يقوله من قبل، حتى لا تُسجَّل عليه نقاط أُخرى تأتي تراكُماً لنقاط سلبية عديدة باتت تلاحقه في الآونة الأخيرة في السياسة والعسكر وحتى في البُعدين الاجتماعي والاقتصادي.
لو «طلَع» بيَد نتنياهو أن يُذلّ المقاومة والشيعة ككل في لبنان، لم يكن ليقصّر. من هنا كانت المقاومة وعيون الشيعة كلّهم تغضّ عن المنازل المدمّرة، وتواكب حركة الميدان على أرض الجنوب. فلو انكسرت المقاومة في الميدان لكان بالإمكان القول إن نتنياهو حقّق حُلم عمره، وأذل المقاومة باحتلاله أرضها التي تقف عليها، وأذلّ أهلهُم الشيعة بتشريدهم وإبقائهم مشرّدين إنفاذَاً لوعود جيشه العملاقة بأن «لإسرائيل في لبنان أراضٍ تمتد من الحدود إلى الليطاني» كما قال ضابط إسرائيلي كبير لضابط لبناني كبير في مفاوضات ترسيم الخط الأزرق.
وأعذروني على هذه القَفلة: في البلاد التي تحترم نفسَها، ولا طائفية مغروسة في شعبها حتى النخاع الشوكيّ، إذا كانت هناك فئة مقاوِمة من الشعب صدّت العدوان المزلزِل ببسالة أسطورية، كما فعلَت المقاومة في الجنوب، فأوّل تدبير محترَم يُتّخَذ هو ضمّ ألفي مقاتل منهم إلى جيش الوطن، وتسليمهم مهمة الدفاع عن الأرض. لكن السياسة اللبنانية التي «تقاتل» من أجل تفعيل ٦ و٦ مكرّر في توظيف عشرة حراس أحراش، كيف بها توافق على تدبير كهذا يحفظ الوطن.
لبنانُ الطائفية لن تقوم له قائمة..