قاطيشا ومصدر قضائي يواكبان تطبيق اتفاق وقف النار
تظلّ حالة لبنان مثالاً واضحاً على تحديات وقف إطلاق النار في سياقات النزاعات المعقّدة. فبينما تُراقب إسرائيل تطوّرات الجنوب، زعمت أنّ “حزب اللّه” يواصل أنشطته في هذه المنطقة، وهذا الواقع يجعل من الصعب تحقيق استقرار بين البلدين. إذ إنّ العوامل السياسيّة، والعسكريّة والإيديولوجيّة لا تزال تؤدي دوراً رئيساً في استمرار هذه التحديات.
يقول المثل اللّبناني “أوّل دخوله شمعة طوله”. فقد شهد اليوم الثاني من سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل فجر الأربعاء الماضي، تنفيذ أوّل غارة إسرائيليّة على جنوب لبنان. وقامت إسرائيل بخروقات عدّة للاتفاق في اليوم نفسه، ما أدّى إلى إصابة شخصين بجروح. ولم تكتف بهذا القدر، بل استهدفت ساحة بلدة الطيبة، وبلدة الخيام، وسهل مرجعيون بالقذائف المدفعيّة، وفتحت النار أمس الجمعة على موكب تشييع في الخيام، وعلى مواطنين في بنت جبيل.
بين حرب 2006 وحرب 2024… الأمور تبلورت
منذ عام 2006، كان لبنان مسرحاً لمحطات عدّة من التوترات العسكريّة بين إسرائيل و “حزب الله”. فبعد إقرار الـ 1701، حصلت اشتباكات عدّة، سارعت عندها اللجنة الثلاثيّة إلى تطويقها وعدم توسّعها والتزام الجانبين بقواعد الاشتباك.
بعد عمليّة “طوفان الأقصى” في غزة عام 2023، دخل “حزب اللّه” ما أسماه “حرب الإسناد”. وأدّت هذه الحرب إلى توريط لبنان بحرب شاملة. وتدخّل الجانب الأميركي كوسيط لوقف إطلاق النار، وبعد محاولات عدّة في المهمّة، أكّدت تل أبيب عندها التزامها وقف إطلاق النار إذا التزم “حزب اللّه” تطبيق شروط الاتفاق.
هنا يكمن السؤال الآتي: ما هي تداعيات عدم التزام إسرائيل وقف إطلاق النار؟ وهل سيعود لبنان عندئذ إلى ما قبل الاتفاق؟
يعتبر النائب السابق العميد المُتقاعد وهبة قاطيشا في حديث لـ “نداء الوطن”، أنّ اتفاق وقف النار، ينصّ على أنّه إذا رصدت إسرائيل أي شبهة تُشكل خطراً عليها من قبل “حزب اللّه”، عليها إبلاغ الولايات المتحدّة الأميركيّة ليتمّ رصدها، وأنّ آلية التنفيذ تُطبّق اليوم بحسب الاتفاق.
أضاف: “إذا تمّ رصد أيّ شبهة سريعة لا تحتمل إبلاغ الأميركيين، عندها سيردّ الإسرائيليون حتماً”. ولفت إلى “أنّ هذه الخروقات يمكنها أن تتكرّر يومياً، وبالتالي سيتلقى لبنان اتصالاً هاتفياً لقمعها”. وقال: “الجيش قادر على قمع كلّ خرق يصدر من الأراضي اللّبنانيّة. ولكن حتّى الساعة لم يتمركز بعد. وها هو ينتشر تدريجياً في الجنوب”.
في سياق متّصل، رأى مصدر حقوقي متابع، “أنّ إسرائيل أرسلت أدلّة الخرق إلى الولايات المتحدّة الأميركيّة، وكشفت عن احتمال وجود راجمة أو منصة صواريخ أو مظاهر مسلّحة تُشكّل خطراً عليها قادمة إلى منطقة الليطاني أو بالقرب منها”، وشدّد المصدر على أنّه “إذا كانت هذه المنصة معدّة لإطلاق الصواريخ، فهي تبرر لإسرائيل شنّ ضرباتها مجدداً على لبنان. أما في حال لم تثبت هذا الأمر، فتكون هنا قد خرقت الاتفاق”.
ورداً على سؤال حول عودة لبنان إلى ما قبل الاتفاق أي إلى الدمار، قال المصدر : “يُقال إنّ المقاومة احتفظت بحقّها، ولكن البداية هي في تنفيذ الاتفاق بصورة جيّدة، وعلى إسرائيل أن تبرز للعلن وللرأي العام الصور التي تُثبت إن كانت هناك راجمة صواريخ معدّة لإطلاقها نحوها”.
وعن تصوّره للمرحلة المقبلة، أعرب المصدر عن اعتقاده بأنّ “حديث راعي الاتفاق، رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، يؤكد أنّ “الثنائي الشيعي” ليس مسلحاً ولم يُخالف يوماً الطائف ولا القوانين، وكأنّ هذا الثنائي عاد إلى صوابه السياسي من خلال الالتزام بالدستور وبالمؤسسات الدستوريّة وتحديداً بدور الجيش اللّبناني”، أضاف: “ما عدنا نشهد خطاب الاستعلاء . وهناك المطالبة الملحّة بوجوب إقرار السياسيين الاستراتيجيّة الدفاعيّة، لكن هذا الأمر انقلب عليه الثنائي بعد إعلان بعبدا، وأيضاً على طاولة الحوار”.
وخلص المصدر إلى القول: “يجب أن يُترك هذا الأمر للجيش. وهو فقط من يُحدّد الاستراتيجيّة الدفاعيّة ويطّلع عليها مجلس الوزراء الذي يقرّ السياسة الدفاعيّة، لكن بالطبع ليس مجلس الوزراء الحالي الذي يهيمن عليه فريق الممانعة كما هي الحالة اليوم، علماً أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تجاوز هذا الإطار من خلال حديثه السيادي والوطني، وهو أنّه لا يجوز أن يكون هناك سلاح سوى سلاح الشرعيّة اللّبنانيّة”.
تجدر الإشارة إلى أن سلاح “حزب اللّه” شكّل واحدة من أكثر المسائل تعقيداً في لبنان والمنطقة، إذ إنّ وجوده خارج إطار الدولة اللّبنانية هو العائق الأكبر في وجه بسط سيادة الدولة وبالتالي أدخل البلاد في حروب لا دخل لها فيها، لكن في الأشهر الأخيرة، بات الحديث عن تسليم سلاح “الحزب” يتزايد بشكل غير مسبوق”.
وتُشدّد مصادر متابعة على أنّ اتفاق وقف إطلاق النار، تضمّن بند تسليم سلاح الميليشيات جميعها ومن ضمنها سلاح “الحزب”، فهل يمكن القول إنّ هذه الخطوة أصبحت أمراً واقعاً؟