Site icon IMLebanon

الجيش العمود الفقري للإقتصاد… وهذه قيمة وشروط المساعدات المُنتظرة له 

 

يلعب الجيش الوطني دورا جوهريا كعامل إستقرار في الحياة السياسية والإقتصادية، بحسب ما تنصّ عليه النظريات الإقتصادية والعلوم السياسية والإجتماعية. وبالتحديد على الصعيد الإقتصادي، يُعتبر الأمن الركيزة الأولى والأهم، بين الركائز الست التي تخلق الثقة بالإقتصاد. ويرتبط دور الجيش في تعزيز أو ضمان الاستقرار الإقتصادي بعدة نظريات، تُبرز العلاقة بين الأمن الوطني، الاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية.

 

الهدف من هذا المقال طرح الأسس النظرية خلف ضرورة تدعيم دور الجيش في المرحلة المُقبلة، خصوصا بعد الإتفاق على وقف إطلاق النار، وربط إستمرار وقف إطلاق النار هذا بنجاح الجيش في مُهمّته. أيضا سنتطرق خلال هذا المقال إلى المُساعدات التي يُمكن أن يُقدمها المُجتمع الدولي للجيش اللبناني بحسب ما ورد في البند 8 من الإتفاقية والفقرة (ب) من المادة 9 من نفس الإتفاقية.

دور الجيش في الإقتصاد

 

يُبرَّر دور الجيش في الاقتصاد كعامل استقرار من خلال الترابط الوثيق بين الأمن الوطني، والإستقرار السياسي، والتنمية الإقتصادية، والتماسك الإجتماعي. فالجيش يُسهم في توفير بيئة آمنة تدعم إزدهار النشاط الإقتصادي، ويحمي البنية التحتية والموارد الحيوية، ويُعزِّز الإستقرار الإجتماعي، كما يُكرِّس هيبة الدولة داخليا وخارجيا. لذلك، لا يقتصر دور الجيش على حماية حدود الوطن (وهي مهمته الأساسية)، بل يمتد ليكون أحد الركائز الأساسية لضمان الإستقرار الإقتصادي على المدى الطويل:

 

– الأمن وحماية الأصول الإقتصادية: وفقا لمفهوم «الترابط بين الأمن والتنمية»، يُعتبر الأمن عاملا أساسيا لتحقيق النمو الإقتصادي المستدام. إذ يؤثر غياب الإستقرار، مثل الحروب والإضطرابات، بشكل كبير على النشاط الإقتصادي والإستثمارات وتطوير البنى التحتية. ويلعب الجيش دورا حيويا في حماية البنى التحتية الحيوية للدولة، مثل الموانئ، ومصادر الطاقة، والمنشآت الإستراتيجية، ويضمن حماية الملكية الفردية التي يكفلها الدستور اللبناني. بالإضافة إلى ذلك، يُضطلع الجيش بدور جوهري في مكافحة الإرهاب، والتصدي للصراعات المسلحة الداخلية، ومواجهة التهديدات الخارجية، والتي تُضعف ثقة المستثمرين وتُعيق النمو الاقتصادي. بناءً على ذلك، يُمكن القول إن الأمن الوطني يشكل حجر الأساس لتحقيق التنمية الإقتصادية.

 

– إستقرار الأنظمة السياسية: يشير الإقتصاد المؤسسي إلى أن استقرار المؤسسات السياسية، يُعدّ عنصرا أساسيا لتحقيق نمو إقتصادي مستدام. وعندما يُساهم الجيش في تعزيز الإستقرار، فإنه يرفع من مصداقية هذه المؤسسات، مما يُعزّز ثقة المستثمرين ويُشجّع الإستثمارات المحلية والأجنبية ويدعم النمو الإقتصادي. وفي أوقات الأزمات السياسية أو الإضطرابات الاجتماعية، تؤكد العلوم السياسية على دور الجيش كـ «قوة إستقرار»، يمكنها الحفاظ على النظام ومنع تفاقم الأزمات. أما فيما يتعلق بالتهديدات الخارجية، فإن المهمة الأساسية للجيش تظلّ حماية الدولة من هذه المخاطر، وهو ما يضمن بقاء الدولة ويُرسّخ إستقرارها السياسي على المدى الطويل. وهذا الإستقرار يُعتبر الركيزة الأساسية لبيئة إقتصادية مستقرة ومستدامة.

 

– الجيش والإستقرار الإجتماعي: تُشير نظرية رأس المال البشري إلى أن الجيش يُسهم في تطوير قوة عمل مدرّبة ومنضبطة، ليس فقط لأغراض الدفاع، بل أيضا لدعم الأنشطة الإقتصادية المستقبلية في مجالات مثل التكنولوجيا، الصناعة، والزراعة. ويُحقق ذلك من خلال توفير فرص للتنمية الشخصية وتقديم التدريب المهني، مما يُسهم في تقليل التفاوت الإجتماعي والإقتصادي، ويؤدي إلى بناء مجتمع أكثر استقرارا وإنتاجية. علاوةً على ذلك، يلعب الجيش دورا مهما في العديد من الدول كجهة توظيف رئيسية، حيث يُؤمّن وظائف مستقرة لقطاعات واسعة من المواطنين. وفي بعض الإقتصادات، يُسهم الجيش في دمج الفئات المهمشة ضمن المجتمع، مما يُساعد في الحد من الإضطرابات الإجتماعية عبر توفير مسارات للحراك الإجتماعي، خاصة من خلال التعليم، التدريب، والتطور المهني.

 

الإنفاق العسكري والإقتصاد: تُشدّد النظرية «الكينزية» على دور الإنفاق الحكومي في تحفيز النشاط الإقتصادي. وبالتالي يلعب الإنفاق العسكري دورا إستثماريا له تأثير مضاعف على الإقتصاد من خلال خلق وظائف، وتحفيز الإستهلاك، وتوليد نشاط إقتصادي إضافي في القطاع الخاص، خصوصا إذا كان البلد مُنتجا للسلع والمواد المُستهلكة، حيث يُمكن خلق وظائف إضافية في الصناعة العسكرية (حال الولايات المُتحدة الأميركية) في مجالات التصنيع والأبحاث ولكن أيضا في القطاعات المواكبة والداعمة.

 

السمعة الدولية والديبلوماسية الإقتصادية: بحسب مفهوم الجغرافيا الإقتصادية، فإن الأمن الوطني والقوة العسكرية والقدرة الإقتصادية كلها مفاهيم مترابطة ارتباطا وثيقا، إذ يُتيح الجيش المستقر والقوي للدولة تأمين شروط تجارية مواتية والوصول إلى الأسواق العالمية (حال الدول الكبرى)، مما يُساهم في إستقرار الإقتصاد. والأهم يُساهم الجيش القوي والمستقر في قدرة الدولة على الإنخراط في الدبلوماسية الاقتصادية العالمية من خلال تعزيز هيبة الدولة وردع التهديدات الخارجية وهو ما يؤدّي إلى نفوذ أكبر في المحافل الدولية.

 

الجيش والهوية الوطنية: تلعب الجيوش دورا محوريا في خلق هوية وطنية وتماسك إجتماعي، من خلال دمج الفئات المختلفة داخل الدولة، وبالتالي تقليل إحتمالات الصراع الداخلي وتعزيز السلام، وهو أمر ضروري للنشاط الإقتصادي.

المُساعدات الدولية للجيش

 

من الظاهر أن المُجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، سيعمد إلى تقديم أنواع مختلفة من المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، مع الأخذ بعين الاعتبار التعقيدات الجيوسياسية في المنطقة. وبحسب إتفاق وقف إطلاق النار، تهدف هذه المساعدات بشكل أساسي إلى تعزيز فرض سلطة الجيش على كامل الأراضي اللبنانية، وزيادة قدراته في مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، دون أن تُساهم هذه المساعدات في تصعيد التوترات الإقليمية ، ومع الحفاظ بالطبع على المصالح الأميركية:

 

– أولا – المساعدات المالية: من خلال توفير أموال لشراء معدات وخدمات وتدريب دفاعية (أميركية وفرنسية الصنع) في مجال مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.

 

– ثانيا – المُعدّات والأسلحة: بالدرجة الأولى ستكون دفاعية (مركبات، وأنظمة إتصالات، وتقنيات المراقبة، ودرونات مراقبة) لتحسين قدرات الجيش في تأمين الحدود والحفاظ على الإستقرار الداخلي. أيضا ستشمل الأسلحة الصغيرة والذخائر وأنظمة المدفعية القصيرة المدى، ونظارات للرؤية الليلية، ومعدات طبية، ودروع واقية، ومعدات هندسية، ومروحيات للمراقبة والدعم الجوي والنقل، وقوارب دورية صغيرة لتعزيز الأمن البحري اللبناني.

 

– ثالثا – التدريب وبناء القدرات: من خلال التدريب المتخصص وتدريب الضباط اللبنانيين في الأكاديميات العسكرية الأميركية والفرنسية، لتعزيز القيادة وتوثيق العلاقات بين الجيوش، ودعم صيانة وتشغيل المعدات المقدمة.

 

– رابعا – تبادل المعلومات الإستخباراتية وبالتحديد حول الجماعات الإرهابية لدعم عمليات مكافحة الإرهاب، وتوفير أدوات للإتصالات الآمنة والمراقبة لتحسين الوعي الميداني.

 

– خامسا – مكافحة الإرهاب وأمن الحدود: تقديم أنظمة رادار، وطائرات بدون طيار، وتقنيات مراقبة متقدمة لمراقبة وتأمين الحدود اللبنانية مع سوريا وإسرائيل، وتقنيات مكافحة العبوات الناسفة لمواجهة الأجهزة المتفجرة خاصة في المناطق المتضررة من الحرب.

مُعطيات جيوسياسية

 

لكن هذه المساعدات المُتوقّع وصولها في الأيام والأسابيع القادمة، ستأخذ بعين الإعتبار بعض المُعطيات الجيوسياسية وعلى رأسها: تجنّب التصعيد مع «إسرائيل»، ومواجهة النفوذ الإقليمي في لبنان، والتصدّي للنفوذ الروسي والصيني في لبنان. والأهم في كل هذا الحفاظ على توازن بين إحتياجات الجيش الفعلية وبين بعض الحساسيات الجيوسياسية، التي قد تظهر جراء تقوية الجيش.

 

ولكن أيضا هناك ديناميكية سياسية داخلية يأمل المُجتمع الدولي حصولها في لبنان من خلال دعم الجيش اللبناني ، مما سيُساعد في تعزيز المؤسسات الحكومية اللبنانية التي تطغى عليها الإنقسامات الطائفية وتأثير الأحزاب، خاصة أن الجيش اللبناني أظهر بالقول والفعل وعلى الرغم من كل ما حصل من إنقسامات في المجتمع اللبناني، أنه مؤسسة توحيدية وغير طائفية في مشهد لبناني منقسم عموديا وأفقيا.

حجم المساعدات

 

التقديرات المالية لحجم المساعدات المُتوقّع وصولها إلى الجيش اللبناني، تعتمد على نطاق ونوع الدعم المُقدّم، والذي سيُحدّدها تطوّر الأمور خلال الستين يوما القادمة. ولكن تاريخيا، قدمت الولايات المتحدة دعما للجيش اللبناني يراعي الحساسية الجيوسياسية في المنطقة، وخصصت دعما خلال العقد الماضي قُدّر بـ 100 مليون دولار أميركي سنويا ،ذهبت بشكل أساسي لتمويل شراء معدات دفاعية أميركية الصنع، وخدمات للصيانة، وبرامج التدريب. وبالتالي ونظرا للواقع الحالي، يُمكن أن يتراوح حجم المساعدات المُتوقّعة ما بين 120 و250 مليون دولار أميركي سنويا ، بحسب نطاق ونوع الدعم كما سبق وذكرنا، ستذهب بالدرجة الأولى لحفظ الأمن داخليا وأمن الحدود، مع مراعاة المصالح الإستراتيجية الأميركية.

 

الجدير ذكره أن التوقّعات تُشير بأنه لن يكون هناك مساعدات مالية للسلطة السياسية، قبل أن تعمد هذه الأخيرة إلى القيام بإصلاحات، وعلى رأسها مُكافحة الفساد والحوكمة الرشيدة. لكن سيكون هناك فقط مساعدات مالية للجيش اللبناني، لتطويع عناصر جدد ودعم الحالية.

 

في الختام، يُعتبر دعم الجيش اللبناني أهمّ وسيلة لمنع الإنهيار الكامل للبنان والذي إذا حصل، يمكن أن يؤدي (أو سيؤدّي؟) إلى زعزعة إستقرار المنطقة بشكل أكبر، وهو أمرٌ لا تُريده لا الولايات المُتحدة الأميركية ولا المُجتمع الدولي.