IMLebanon

شهادة الجيش ومؤامرة “لكن”

 

لا يكفي تقديم العزاء الحار بشهداء الجيش، فالوقت حان لخطوات تقطع مع سياسة التخويف من “داعش” عند كل استعصاء تواجهه منظومة الفساد، ولِتحويل المديح الدجال الى سلوك صادق يصب في مصلحة كل لبنان.

 

لن نعود كثيراً الى الوراء لتأكيد ان الجيش برهن كفاءته العالية في معاركه ضد المخلين بالأمن منذ مطلع التسعينات، وتحديداً من “نهر البارد” الى “فجر الجرود”. ولسنا بصدد التذكير بصفقة خروج الدواعش بالباصات. فالأهم اجماع اللبنانيين على تفاني قياداته وأفراده. لكن تلك الـ”لكن” عن عدم كفاية الجيش لصد اي اعتداء اسرائيلي والتي تصدر عن فريق “حزب الله” ويرددها رئيس الجمهورية مخالفاً الدستور، تبقى حجر الزاوية في أزمة لبنان وذريعة استمرارها، علماً بأنها خلاصة موقف سياسي بحت متصل بالصراع الاقليمي ودور “الحزب” فيه، ولا علاقة لها اطلاقاً بتقييم قدرات الجيش الفعلية التي تكذّب الادعاءات.

 

يُسيء الى أكثرية اللبنانيين أن يبقى الجيش قوة رديفة، يداه مكبلتان وعيناه مغمضتان، فيما قوى الأمر الواقع تؤدي دور الآمر الناهي مقروناً بحفظ “لياقة” التنسيق أمام الشاشات. ولا داعي لسرد الأمثلة، إذ يكفي انفجار “عين قانا” الأخير ليظهر كم اننا بعيدون عن صراحة الدستور بوجوب “سيطرة الدولة بقواها الشرعية على كل أراضيها”، وكم ان مصير لبنان لا يزال رهن الصراع الاقليمي، وأمنه يسير على ساعة توقيت المتصارعين. ولا يُذكِّر عجز الجيش عن دخول مسرح الانفجار وعن شرح الأسباب والمجريات للشعب اللبناني، إلا بإلغائه احتفال الانتصار في “فجر الجرود” وإفراج المحكمة العسكرية عن الفاخوري العميل.

 

كان يتوجب على “حزب الله” تسليم سلاحه للجيش بعد تحريره الجنوب لإدخال لبنان في مرحلة تعزيز الدولة سيادةً وقانوناً، لكن حاجة دمشق وطهران الى إبقاء الساحة اللبنانية وخصوصاً الجنوبية مفتوحة، وانسجام “حزب الله” مع هذه الحاجة انطلاقاً من قناعاته الدينية والايديولوجية والسياسية، فرضا واقعاً سياسياً وأمنياً ارتدَّ الى الداخل اللبناني وتحوَّل على مدى عشرين عاماً تدميراً للدولة وعلاقات الطوائف والمجموعات، خصوصاً أن كل المآسي، منذ اغتيال 14 شباط 2005 الى “اتفاق الدوحة” وصولاً الى الانهيار واحباط مبادرة ماكرون، حصلت على وقع توترات الواقع المذكور وانطلاقاً من مصالح صانعيه.

 

السلاح للجيش وحده. مطلب ملح في بلد يعاني الانقسامات ولا يتوحّد إلا حول هذه المؤسسة. وحرمان اللبنانيين منه إطالة لعمر الأزمة وتدفيع للمواطنين الأثمان خدمة لمشروع يتجاوز مصلحة لبنان. والمفارقة الفاقعة هي انه يجري ابقاء الدولة معلقة على صليب الأزمة، فيما المنطقة تتغير مع انهيار “النظام العربي” والاندفاع العربي الى تطبيعٍ ليست “سوريا الأسد” بعيدة عن وضع رأس جسر فيه، وفي وقت تحاول “المنظومة” شراء رأسها بالترسيم وتبقى واردة مفاجأة أميركية – ايرانية تتمخض عن “البازار” الخلفي المفتوح بين واشنطن وطهران.

 

تُرى كم شهيداً اضافياً على الجيش تقديمه وكم جلجلة ينبغي عبورها وجريمة شبيهة بـ 4 آب يحتاجها اصحاب هذه الـ”لكن” ليعودوا الى مشروع الدولة عبر حصر السلاح بالجيش والكف عن مؤامرة التشكيك؟