شكّل أداء الجيش اللبناني نهاية الأسبوع الماضي محور الإهتمام الداخلي، وسط هجوم بعض السياسيين عليه واتهامه بالتقصير في لجم أحداث طرابلس.
حسم قائد الجيش العماد جوزف عون والقيادة العسكرية كل الجدل القائم حول أحداث طرابلس، وأكّد للطبقة السياسية أن الجيش لن يكون أداة لقمع الشعب، فهو مؤتمن على الحفاظ على الأملاك العامة والخاصة وعلى حياة المتظاهرين في الوقت نفسه، والحلّ ليس بتصويب بندقية الجيش باتجاه صدور اللبنانيين، بل موجود عند أهل “الحلّ والربط”.
وفيما كان الجيش اللبناني يتعرّض لهجوم شنيع وأراد البعض تحميله نتائج تقصير بقية الأجهزة في طرابلس، كانت الدول الكبرى تُرسل المزيد من رسائل الدعم والتقدير لأدائه الذي تميّز به خلال محاربة “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” الإرهابيَّين ومجموعات مسلّحة أخرى خارجة عن القانون وسلطة الدولة، وتجلّى هذا الأمر من خلال الدعم البريطاني المتجدّد، حيث تسلّم الجيش 100 آلية نقل خفيفة مصفّحة مقدّمة هبة من السلطات البريطانية في مرفأ بيروت، وتمّ توزيعها على أفواج الحدود البرّية لتنفيذ المهمات الاستطلاعية والأمنية.
وتضاف هذه الهبة إلى هبات بريطانية سابقة مقدّمة للجيش وصلت إلى أكثر من مئة مليون دولار للمساعدة في بناء أبراج مراقبة وتدريب أفواج الحدود البرّية.
وأمام كثرة المهمّات الملقاة على عاتق الجيش إن كان في الداخل أو على الحدود البرّية، فقد سارع إلى الإستفادة من الهبة البريطانية وتمّ تنظيم جلسات تدريبية فوراً لعناصر من أفواج الحدود البرّية أشرف عليها مدرّبون من اللواء المجوقل البريطاني السادس عشر، تمحورت حول تعهد آلية نوع RWMIK وكيفية صيانتها.
وفي القراءة العسكرية، فإن هذه الهبة لها دلالات عدّة، وليست مساعدة عابرة، فهي تؤكّد إلتزام بريطانيا بالمشاريع التي تعهدت بها، وهي تدريب وتجهيز أفواج الحدود البرّية ومساعدتها لتنفيذ مهامها بشكل إحترافي يضمن سيطرة الجيش على تلك الحدود.
أما المعطى الثاني، فيتمثّل بالثقة البريطانية والغربية والدولية المتزايدة بقيادة الجيش وعناصره، وهذا الأمر يحصل بعد الأداء الواضح والشفّاف الذي يقدّمه قائد الجيش العماد جوزف عون في إدارة المؤسسة العسكرية والتعامل بمهنية مع الأحداث التي تدور في الشارع وعلى الحدود، خصوصاً أنه فصَل الجيش عن الخلافات السياسية وحافَظ على وحدة المؤسسة العسكرية، ولم يضع الجيش في مواجهة شعبه.
وأمام تعالي الصرخات اللبنانية التي تشكو من المافيات التي تُهرّب المحروقات والمواد المدعومة والمعروفة من السلطة الحاكمة والمغطّاة سياسياً، فقد أتت المساعدة البريطانية لتقول للجميع إن الدول الكبرى مستعدّة لمساعدة الأجهزة اللبنانية على ضبط الحدود ومنع التهريب، لكن هذا الأمر يحتاج أيضاً إلى قرار سياسي من الحكومة اللبنانية والأكثرية الحاكمة، علماً أن أحد قادة هذه “الأكثرية” صرّح علناً في أوائل حزيران الماضي قبل بدء سريان تطبيق قانون “قيصر” بـ”أننا لن نترك حلفاءنا في سوريا يعانون من تداعيات هذا القانون الأميركي”، لتتكثف بعدها رحلات التهريب التي تستنزف ما تبقّى من إحتياطات بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان.
تسير مؤسسة الجيش بعكس الطبقة السياسية على رغم بعض الملاحظات على أداء بعض الأفراد والضباط، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إمتهن في خطاباته “بهدلة” الطبقة السياسية اللبنانية التي اعتبرها ماكرة وكاذبة وليست أهلاً للثقة، ومثله يفعل العديد من قادة الدول، وظهر هذا الأمر أيضاً في حجب المساعدات عن الدولة وتقديمها إما مباشرةً لأصحابها أو عبر جمعيات من المجتمع المدني.
وعلى رغم كل هذا الغضب الدولي على الطبقة الحاكمة، إلا أن الجيش اللبناني لا يزال محطّ ثقة وتقدير أهم الدول ويحصل على المساعدات مباشرةً، لكن الخوف من أن تُدمّر هذه الطبقة الحاكمة ومن خلفها هذه المؤسسة مثلما دمّرت القطاع المصرفي وكذلك التعليمي والإستشفائي والسياحي وبقية القطاعات التي شكّلت نقطة تفوّق لبنان وسبب نهضته.