الى أي حد انعكست الازمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية على الجيش والحوافز المعنوية لعناصره؟ وهل يبالغ البعض في التحذير من مفاعيل هذه الازمة على المؤسسة العسكرية ام انّ القلق مشروع ومبرر؟
لاحظت قيادة الجيش في الآونة الأخيرة انّ هناك اهتماما زائدا من قبل البعض بالواقع المعيشي للعسكريين، وانّ أصواتا راحت تطالب بتخصيص دعم مادي له خشية من ان تؤثر المعاناة الاقتصادية سلبا في جهوزيته ومهامه الميدانية.
ولئن كانت اليرزة تميل عموماً الى تقدير أي عاطفة حيال الجيش والترحيب بها، الّا انها ارتابت اخيراً في بعض النيات والدوافع، على قاعدة انّ «من الحب ما قتل».
وتلاحظ مصادر عسكرية رفيعة المستوى انّ هناك من يصطاد في الماء العكر ويطلق كلام حق يُراد به باطل، في معرض الإضاءة على الظروف الحياتية التي تواجه أفراد الجيش.
وتضيف المصادر: نعم، الازمة الاقتصادية انعكست على المؤسسة العسكرية وأدت الى تآكل رواتب جنودها وضباطها، لكن هذه الازمة أصابت الجميع في لبنان، وكل المواطنين تأثروا بها، والجيش هو جزء من كل وليس جزيرة معزولة».
وتشير الى انّ مفاعيل المعاناة الاقتصادية تشمل كل القطاع العام، ولا تقتصر على المؤسسة العسكرية، لافتة إلى انّ بعض المُتباكين على الجيش ممّن يتساءلون كيف له ان يؤدي واجباته فيما رواتب أفراده أصبحت بلا قيمة، إنما يحرّضون العسكر على التقاعس عن تأدية دورهم ورسالتهم، ويدفعون في اتجاه تثبيط عزيمتهم وزعزعة معنوياتهم، «الّا انّ الجيش لن يتأثر بمحاولات التحريض ودَس السم في عسل الحرص عليه، وسيعضّ على الجرح الاقتصادي وسيواصل مهامه في حماية الاستقرار، متحمّلاً ضغط الازمة التي لن تستمر الى ما لا نهاية وسيتم تجاوزها عاجلاً ام آجلاً».
وتتساءل المصادر: ما المطلوب منّا، هل علينا أن نترك الحدود على غاربها ونمتنع عن حماية الأمن في الداخل تحت وطأة الضغوط الحياتية؟ وتضيف: انّ الجيش مصمّم على تحمل مسؤولياته وتنفيذ واجباته مهما كانت الظروف قاسية، ولو اقتضى الأمر أن يفعل ذلك باللحم الحَي لأنّ البديل عندها هو انتشار الفوضى.
ومع إقرار المصادر بأنّ العسكريين يعانون، كما غيرهم، من الضائفة الاقتصادية غير انها تشير الى انهم «ينالون على الاقل تقديمات وضمانات، من شأنها ان تساهم في صمودهم والتخفيف جزئياً من تبعات انخفاض قيمة رواتبهم، بينما الكثر في القطاع الخاص على سبيل المثال فقدوا وظائفهم».
وتؤكد المصادر العسكرية انّ الدولة مطالبة بأن تبادر فوراً الى البدء في معالجة الواقع الاقتصادي وتداعياته، وبأن تتحمل مسؤولياتها حيال جميع اللبنانيين، لأنّ استمرار الوضع على المنوال الحالي سيرفع منسوب التهديدات وسيزيد تلقائياً حجم الاعباء الملقاة على الجيش.
وتشكر المصادر أصحاب النيات السليمة والغيارى الحقيقيين على الجيش، «ونحن نقدّر وقفتهم الى جانبه واهتمامهم به، وبالتالي نرحّب بأي مبادرة صادقة لدعمه، لكننا لا نربط بين هذا الأمر وبين تمسّكنا الثابت بدورنا».
وتنفي المصادر حصول ارتفاع في معدل الفرار من الجيش، «إذ انّ الأرقام عادية ولا تشكل ظاهرة مقلقة»، موضحة انّ من يفر تصدر في حقه مذكرة بحث وتحر، وبالتالي يصبح غير قادر لا على السفر ولا على إيجاد عمل آخر في الداخل.
وتشدد المصادر على أنّ من يريد ترك الجيش يستطيع أن يقدّم طلب تسريح ويغادره بطريقة نظامية، «ولكن حتى هذه الطلبات هي قليلة، خصوصاً انّ التعويضات التي سيحصل عليها المسرّحون ستكون متواضعة مهما علت رتبهم نتيجة الانخفاض في قيمة سعر الليرة».
وتنتهي المصادر العسكرية إلى التأكيد بأنّ الجيش متماسك وصابر، «وجنوده وضباطه لن يخذلوا وطنهم مهما قست الضائقة الاقتصادية عليهم».