توجّه بالأمس قائد الجيش جوزاف عون إلى المسؤولين طارحاً عليهم سؤال كل الشعب اللبناني إضافة إلى الجيش اللبناني: «إلى أين نحن ذاهبون، ماذا تنوون أن تفعلوا؟ لقد حذّرنا أكثر من مرّة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره»، لقد سبقنا جميعاً قائد الجيش بطرح السؤال، ربما انهيار رواتب العسكريين والضبّاط وميزانيّة الجيش أخرجته عن صمته، في شتاء العام 2020 كان الفوج المجوقل يضرب المتظاهرين في ثورة 17 تشرين بوحشيّة على مرأى من الكاميرات، ولم يكن الضرب رجلاً لرجل بل مجموعة من أصحاب العضلات المفتولة يعتدون بالضرب على شاب واحد من أصحاب البنية الرقيقة، اليوم وصل الشعور بالفقر إلى أصحاب الرواتب «المحرزة» فأحسّوا بما يذوقه المواطن اللبناني منذ أوصلنا هذا العهد القوي إلى هاوية لا قعر لها، ولسنا نعاتب ولا نحاسب أبداً ولا نوهِم أنفسنا بفكرة أنّ الجيش مع الشعب، هناك فرق بين مواطن صار راتبه 75 دولاراً وبين ضبّاط كان راتبهم 5000 دولار فصارت قيمته 500 دولار، أمّا العسكري البسيط وراتبه الهزيل فحاله حال المواطن الفقير الجائع «من زمان»!!
أجاب سيّد العهد على سؤال قائد الجيش حتى من قبل أن يطرحه «إلى أين نحن ذاهبون» عندما طرحت الصحافة هذا السؤال قبل شهور فأجاب «الرئيس القوي»: «إلى جهنّم»، أمّا عن سؤال القائد للمسؤولين: «ماذا تنوون أن تفعلوا؟» فالإجابة واضحة لدى الشعب اللبناني كلّه «ولا شي»، هؤلاء ليسوا بمسؤولين هؤلاء مافيا منظّمة متحاصصة فيما بينها متكاتفة فينهب البلد ولا نسمع صوت خلافاتها إلا عندما يتقاتلون على حصّتهم من نهب البلد!! وبالتّأكيد فإن قائد الجيش كان صادقاً جدّاً عندما قال: «حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره»، وقد سبقناهم في التحذير بعشرات المرات والمقالات، لم يبقَ صحافي قلبه على لبنان إلا وحذّر من أنّ البلاد ذاهبة باتجاه الانفجار الكبير والانزلاق إلى الفوضى وخيالات بدايات الحرب الأهلية التي تحوم من جديد في فضاء لبنان، ولكن لا حياة لمن تنادي!!
أخوف ما نخافه أن نكون مجدداً أمام تلك الذكريات المخيفة التي كانت تقضّ مضاجعنا خوفاً في طفولتنا عشية العام 1975 فتعود الخفافيش تحتل الليل اللبناني فنستيقظ على خبر وضع عبوة على باب مؤسسة تجاريّة أو واجهة محل أو بوابة مصرف أو قطع صمت الليل بإلقاء قنابل صوتية أو يدويّة أو أصابع ديناميت فيصحو اللبنانيون الجالسون في منازلهم المستنكفون عن التظاهر والذين لم يكفّ الحاضرون في إثنين الغضب في شوارع الأمس وهم يصرخون لماذا لم لا ينزل الناس للتظاهر؟ ربّما لأنّهم لم يشهدوا بداية الحرب اللبنانية كانت زحفت بالتظاهرات والأزمات التموينيّة وأزمات الطحين والخبز وسعر الربطة والسكّر والرزّ وفقد السّلع التموينيّة، ثم رأوا الأهوال عندما اندلعت الحرب، لهذا السبب لا ينزل اللبنانيون إلى التظاهرات، لا تزال ذاكرتنا تحفظ رعب المجازر والقصف والدّمار، صحيح أنّه في تلك الأيام كان هناك الميليشيات الفلسطينيّة، اليوم هناك الأسوأ حزب الله ومن ورائه إيران التي موّلت لكلّ أذرعتها تدمير أوطانهم العراق اليمن ولن تتردّد من أجل أجندتها ومصلحتها في لبنان، لا يظنّن أحد أنّ حزب الله محشور، مخطأ من يظنّ ذلك إسمعوا نداء جمهوره له: «الشعب يريد 7 أيار»!!
لم نكن ننتظر شيئاً من بيان قصر بعبدا لقد اختبرنا ميشال عون منذ كان جنرالاً ودمر لبنان وبيروت بغربها وشرقها، العقليّة لم تتغيّر، هذا الانفصال عن الواقع عايشناه مراراتٍ وخراباً ولا يفاجئنا اليوم في الغيبوبة التي يعيش فيها، كلمة قائد الجيش جوزاف عون هي التي نعوّل عليها، وبقدرِ ما نعوّل عليها نقول بمصداقيّة إن خوفنا كبير جداً كمواطنين عُزّل من «المعادلة الخبيثة» نخاف من أن يُكرّر الجيش تجربة العماد ميشال سليمان بوقوف الجيش متفرّجاً يوم غزوة بيروت في 7 أيار العام 2008 على زعران سرايا المقاومة وحزب الله وهم يرفعون صور مرشد الجمهورية علي الخامنئي في شوارع بيروت تأكيداً على رمزيّة احتلالها، وكان ثمن هذا الوقوف جانباً الحصول على مكافأة كرسي الرئاسة!
خوفنا كبير جداً من خبث ثلاثية «جيش شعب مقاومة»، وللمناسبة التظاهرات لن توصلنا إلى نتيجة الاحتشاد خلف البطريرك بشارة الراعي أقوى من كلّ التظاهرات، بكركي صوتها عالٍ جداً وعلى اللبنانيين أن يحتشدوا عندها.