الطرقات مقطوعة… على مستوى المناطق اللبنانية جميعاً، جوع المواطنين ومعاناتهم، أطلقتهم إلى الطرقات والساحات، تسابقهم ملامح الألم والحاجة الملحة، وتصريحات المواطنين وصرخاتهم، حافلة بمواكب الغضب والرفض.
من يتابع الإعلام العربي في هذه الأيام (المرئي منه على وجه الخصوص) سيلفت انتباهه دون شك، الإستغراب العربي الشديد لما تناقلته وسائل الإعلام حول الصدامات التي نقلتها شاشاتنا يبرز فيها خلاف ومصادمات ما بين موظفي السوبرماركت، بل وبين الزبائن أنفسهم سعيا للإستحصال على زجاجة حليب لأطفالهم، أصبح وجوده بين نوادر الموجودات الغذائية التي التهمتها المنافسات والجشع التجاري وتجاوز الدولار حاجز العشرة آلاف ليرة!
لبنان… مصدر الخيرات والمواد الغذائية والمأكولات المقصودة والمطلوبة من إخوتنا في العالم العربي، بات مدعاة إلى صراعات وتناتش عنيف للإستحصال عليها وملء احتياجات الأطفال الرضَّع لوجوده!!
وتمرّ الصور المأساوية للواقع اللبناني الرهيب من خلال مواقف «العهد القوي» رئاسة وأجواءً محيطة، بمواقف استقوائية على المواطنين وعلى وجه التجاهل الكامل لآلام الناس ومعاناتهم من شرور الجوع وتوابعه، فإذا بأحد الإجتماعات الرئاسية الطارئة، يحث الجيش اللبناني، قيادة وأفرادا على التحرك والتصدي لنزول جياع المواطنين إلى الشارع وكمّ أفواههم وململمة تحركاتهم ومنع احتجاجاتهم. ولم يكن هذا الموقف الرسمي بمستغرب قياسا بتعاملات رسمية سابقة حفلت بدفع للجيش إلى مجابهة أهله ومواطنيه وزملائه في المعاناة، وكم كانت المفاجأة شديدة الأثر والوقع بعد ما دعا قائد الجيش العماد عون إلى اجتماع شامل لمجلس القيادة، انتهى إلى قرارات حاسمة وجريئة، رفضت التصادم مع المواطنين ومعاناتهم وجوعهم وأعلنت أن الجيش هو جيش الوطن وقد تم التعامل معه على هذا الأساس، ولا يمكن إطلاقا وضع الجيش في هوة التفتت والتشظي، وقد كان كلام قائد الجيش بهذا الخصوص موضحا أن هذه المؤسسة الصامدة بأبنائها وجنودها وضباطها، تماثل أبناء الشعب في معاناتهم القاسية، وقد حذرت القيادة أكثر من مرّة من إنفجار الأوضاع. وسأل قائد الجيش المسؤولين الأشاوس، بدكن أن يبقى الجيش واقفا على رجليه أم لا؟ وأضاف: مش فارقة معهم الجيش ولا معاناة العسكر. أين النعيم الذي نعيش فيه كما يزعم بعض المسؤولين؟ لا نقبل اتهامنا بالهدر ولا المساس بحقوق العسكريين وممنوع أن يتدخل أحد بوضع الجيش لا بالترقيات ولا بالمساعدات، هدف الحملات المغرضة ضرب الجيش وتشويه سمعته، لذا لن نسمح أبدا بالمساس بالجيش ومعنوياته، لقد كان كلاما شديد الحدّة والقساوة يصدر عن قيادة الجيش لأول مرّة بعد أن كثرت الأقاويل الإفترائية التي تطاول أوضاعه المتعثرة، شأنها شأن الاوضاع اللبنانية جميعا. هي مرحلة جديدة إذن باتت تحكم العلاقة ما بين أوضاع الجيش ومعاناته ضمن هذه الأوضاع اللبنانية الصعبة التي يحاول المسؤولون من خلالها، التنصل من مسؤولياتهم والتهرب منها إلى إلقاء التهم الظالمة وغير الصحيحة على جيش مكوّن من أبناء الشعب الأصليين، فهم أصلاء خاصة في معاناتهم المادية والمعنوية شأنهم في ذلك نابع من الأوضاع غير السليمة التي ألقى من خلالها بهم مسؤولو هذه الايام في جحيمها وسرقاتها ونهبها، وترك البلاد خاوية إلاّ من تخبط هائل وإفلاس غير محدود. لقد أطلق المواطنون أحكامهم بهذا الخصوص، فهم وإخوتهم في القوات المسلحة باتوا شركاء في المعاناة والمحنة المتمادية والتي ترك الوطن معانيا الأمرين في عثراتها ومطباتها والحالات المخيفة التي باتت في عملية إنحدار قاسية إلى صميم جحيمها. هو الجيش الذي بات ملزما دون شك في حماية أهله ومواطنيه، من ضمنهم جنوده وضباطه، من سوء أحوال وصفتها الإعلامية الفرنسية-اللبنانية رنده تقي الدين بأسوأ الصفات وطاولت من خلالها مسؤولي هذه الأيام بأقسى التهم وأرذل التصرفات. وقد نسبتها إلى مسؤولين فرنسيين تناولوا الأوضاع اللبنانية التي أدت إلى خراب البلاد وتدهورها، ومسؤولونا غائبون عن الوعي والسمع، وغارقون في المساويء والنهب والسرقة، ملقين مسؤوليتها الحاصلة على التيار الوطني الحر ورئيسه، الغارق في طموحات صعبة التحقق.
وماذا بعد:
ها هي الأجواء اللبنانية والوطنية والمسيحية وعلى رأسها قادة البلاد الروحيين وفي طليعتهم البطرك الماروني، وقيادة الجيش المعانية والصامدة تجاه ما تلقاه البلاد من سوء التصرف والقيادة اللامسؤولة. ماذا ننتظر… الهوّة تشتد وتقسو نتائجها على البلاد وعلى العباد. الوطن يعاني ويحتج وينتظر… إلى متى؟