Site icon IMLebanon

قرار بمنع الجنود من الرد على استفزازات العدو: من يُحول الجيش إلى «شرطة» في الجنوب؟

 

 

طلبت قيادة قطاع جنوبي الليطاني من جنود الجيش عدم القيام بأي ردّ فعل تجاه استفزازات العدو، قبل العودة إليها، بما يجرّد الجنود من أبسط قواعد الاشتباك والحماية. تطوّرات كثيرة تعصف في هذه البقعة التي تقع العين عليها هذه الأيام، أبرزها تحوّل الحدود إلى ما يشبه المنطقة العازلة.

 

قبل نحو أسبوعين، أصدر قطاع جنوبي الليطاني في الجيش اللبناني وثيقة اتصال للقطعات العسكرية العاملة في القطاع، لا تشبه أبسط قواعد السلوك لأي جيش في العالم. وهي تعاكس على نحو نافر مدوّنة السلوك التي يدأب الجيش على تنفيذها ضد العدوّ الإسرائيلي، على الأقل منذ ما بعد اتفاق الطائف.

 

بتاريخ 23 كانون الأول الماضي، طلبت قيادة قطاع جنوبي الليطاني في الجيش اللبناني، من القوات العاملة بأمرتها، في ثلاث قطعات «إفادة القطاع بصورة فوريّة قبل القيام بأي ردّ فعل على أعمال العدو الإسرائيلي الاستفزازية ونشاطاته العدائية، ولا سيّما أحداث توجيه السّلاح والإشارات النابية، ليصار إلى تزويدكم بالتوجيهات المناسبة».

في العام الماضي، سجّل الجيش اللبناني أكثر من موقف حاسم تجاه خروقات العدوّ الإسرائيلي، على طول الحدود مع فلسطين المحتلّة، بدءاً من نصب كاميرا للمراقبة مقابل بوابة رأس الناقورة ردّاً على تشييد العدو برجاً في الجهة المقابلة من الحدود، وصولاً إلى توجيه الجيش أسلحته المضادة للدروع في عديسة ردّاً على توجيه دبابات العدو مدافعها نحو جنوده، وليس انتهاءً بحادثة إطلاق النار على مسيّرة إسرائيلية، بعد طيرانها على مسافة قريبة جداً فوق أحد المواقع قبل نحو أربعة أشهر.

وعلى الرغم من رمزيّة تحرّكات الجيش من الناحية العسكرية، إلّا أنها تعكس بالنسبة إلى العدو، معضلة كبيرة، جراء التهديد الذي يشكّله اتحاد قرار الجيش الميداني والسياسي مع القدرة العسكرية النوعية للمقاومة، في تظهير فعلي لمعادلة الجيش والشعب والمقاومة. إذ إن كلّ ما يحاول العدو الإسرائيلي فعله، منذ سنوات، هو التخفيف من عداء الجيش اللبناني تجاه قواته، عبر الضغوط الأميركية والقوات الدولية العاملة في الجنوب، وتظهير تمايز بين موقف الجيش والمقاومة حيال إجراءات العدو وتحرّكاته على الحدود وفي الجنوب وفي البحر.

وهنا يطرح مضمون وثيقة الاتصال، أسئلة حول الأسباب الكامنة خلفها، وهل يعكس هذا التعميم رأي قيادة الجيش وأركانه؟ أم أن قيادة القطاع باتت تصدر قرارات بهذا الحجم من خارج السياق التقليدي للقرار العسكري والميداني في الجيش؟

تطلب قيادة القطاع في برقيتها، ما معناه، انتظار جنود الجيش التعليمات العسكرية قبل أي ردّ فعل على إجراءات العدو. يعني مثلاً، إذا قامت قوّة مشاة صهيونية بتوجيه السّلاح نحو الجنود اللبنانيين، كما يحصل عادةً، فإن جنود الجيش اللبناني وقبل القيام بالمثل، أي توجيه السلاح نحو التهديد الذي يتعرّضون له، عليهم العودة إلى قيادة القطاع لتعطيهم التعليمات اللازمة. فيما تفرض أبسط قواعد الاشتباك والدفاع أن يقوم الجنود بتوجيه السلاح نحو عدوّهم الذي يوجّه السلاح نحوهم.

وإن كان أصحاب القرار يبرّرونه بنظرية «سحب الذرائع»، وخصوصاً مع ازدياد استفزازات العدوّ، ولا سيّما قيام جنوده بالصراخ بالشتائم بحقّ الجنود اللبنانيين أو القيام بحركات نابية تجاههم، فإن ردّ الفعل وتحديداً في مسألة توجيه السلاح نحو جنود العدوّ كردٍّ على توجيههم بنادقهم الفردية أو مدافع دباباتهم ورشاشاتهم الثقيلة تجاه الجنود والدوريات والمواقع اللبنانية، هي كلّ ما يملكه الجنود اللبنانيون كتعبير عن الموقف السياسي اللبناني، في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية.

وهذا يعني تالياً تجريد الجنود اللبنانيين من الموقف، بما يحوّل الجيش اللبناني إلى قوات شرطة، تضمن أمن جنود «قوات اليونيفيل» وتعكس قراراً لبنانياً بالانكفاء في مقابل العربدة الإسرائيلية، فيما تبقى حركة المقاومة على حالها.

فهل لزيارات الملحق العسكري الأميركي للجنوب، ونشاط هذا الضابط ولقاءاته الدائمة مع قادة الوحدات هناك، دور في الهامش الذي باتت تتخذه قيادة القطاع لنفسها من دون التنسيق مع أركان الجيش، حتى وصل بها الأمر إلى إمرار وثائق اتصال من هذا النوع تحمل مدلولات سياسية تحتاج إلى قرار من المرجعيات السياسية الرسمية؟

 

الوثيقة تحمل طابعاً سياسياً ولا يمكن لقيادة جنوبي الليطاني التفردّ بهذا القرار

 

 

ما بات يحصل أخيراً على الحدود، من قرار منع وجود عناصر استخبارات الجيش بلباسهم المدني وحصر تنقلهم باللباس العسكري، ومنع الصيادين والرعاة من التنقل قرب الحدود واعتبار حمل أسلحة الصيد خرقاً للقرار 1701، وتحويل الوصول إلى الحدود مهمّة مستحيلة، يجعل مستقبل هذه الإجراءات هو الوصول إلى شبه منطقة فاصلة أو عازلة، تستهدف بشكل واضح مناطق «جمعية أخضر بلا حدود»، التي يزعم العدو الإسرائيلي أنها مناطق خاضعة لسيطرة المقاومة أو لديها نشاط فيها.

ويترافق هذا الأمر مع قيام العدوّ أخيراً بمناورات على «الجبهة الشمالية»، تستثني أهدافها الهجوم على مواقع الجيش اللبناني، بعدما كانت دائماً ولسنوات طويلة، تتعامل مع مواقع الجيش كمواقع معادية في جنوبي الليطاني، بذريعة أن الجيش هو من سيقوم بملء الفراغ الذي سيتركه إخراج قوات حزب الله من جنوبي الليطاني من ضمن أهداف المناورات.

ولا ينفصل هذا المشهد عن السلوك المنحاز لإسرائيل الذي بات يظهره قائد القوات الدولية الجنرال الإيطالي ستيفانو ديل كول. فالأخير، لم يكلف نفسه عناء الاعتراض على السفينة اليونانية التي استخدمها العدو قبل أسابيع للأبحاث في داخل البلوك 9 اللبناني (راجع «الأخبار»، 9 كانون الأول 2019)، وبقيت لساعات طويلة هناك، بينما يجهد ويمارس الضغوط على الجيش لإنهاء التحقيق في تفاصيل رد المقاومة وإطلاق الصواريخ على دورية معادية قبل أربعة أشهر قرب مستوطنة أفيفيم، رداً على الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية (شارع معوّض). وبدل أن يحمّل ديل كول ضبّاط العدو الإسرائيلي مسؤولية هذا الخرق في اجتماع اللجنة الثلاثية الأخير، يوم 12 كانون الأول الماضي، قرر الجنرال الإيطالي تحميل مسؤولية التوتّر للإعلام اللبناني، في إشارة إلى «الأخبار»، التي كشفت خرق باخرة الأبحاث المعادية.