لا تهدأ البطريركية المارونية ولا سيّدها عن التنديد بمسؤولية الحكّام عما آلت إليه الظروف الحياتية والسياسية في لبنان، والتنبيه في كل مرّة من وجود نوايا لدى بعض الأطراف، قاصداً «حزب الله»، لدفع لبنان نحو الانهيار، للسيطرة على البلد وتغيير هويته. ولا ينسى سيّد بكركي أن يذكّر اللبنانيين والعالم أجمع بأهمية الرهان على الجيش اللبناني والمحافظة عليه، القوة اللبنانية العسكرية الشرعية الوحيدة.
أمام تعاظم التهديدات والأخطار، يزداد الرهان على الجيش اللبناني لحماية ما تبقّى من هيبة الدولة والمؤسسات والأهم الكيان اللبناني، في ظل وجود دولة داخل الدولة، التي هي في الأساس هشّة، وغير متماسكة، ووجود قوى مسلّحة رديفة للجيش اللبناني الشرعي، وميليشيا تملك قرار الحرب والسلم، أخذت لبنان إلى حيث لا يجب أن يكون، وحوّلت أرضه معسكراً لأجندات خارجية. فيزداد الخوف من وجود نيّة لدى الحزب للإطاحة بالمؤسسة العسكرية، كواحدة من أهم مؤسسات الدولة اللبنانية، بهدف استكمال السيطرة على البلد.
نيّة الحزب
هذا الخوف، لا تؤيّده مصادر عسكرية، وتؤكّد لـ«الجمهورية»، أنّ أحداً ليس من مصلحته أن ينهار الجيش، بمن فيهم «حزب الله»، فعندها ماذا يمكن له أن يفعل، هل يستطيع ان يسيطر على البلد؟.
وتشدّد هذه المصادر، على أنّ الدعم الدولي للجيش، والمؤتمر المرتقب في 17 حزيران المقبل والمخصّص لهذا الدعم، هما ترجمة فعلية لقرار دولي كبير، هو أنّ الجيش خط أحمر، وهو العمود الفقري والآمن للدولة اللبنانية. وتأكيداً لوجود رعاية دولية للمؤسسة العسكرية لكي تبقى صامدة، ورسالة لكلّ من يعنيهم الأمر، لن يكون هناك أي قوى عسكرية بديلة عن الجيش».
بدورهم، يتفق الخبراء والمحلّلون السياسيون على أنّ «حزب الله» أدهى من أن يعمل على الإطاحة بالمؤسسة العسكرية، «ولكنّه بالتأكيد يعمل على الإمعان في إضعافها».
ويتفق كل من المحلل الاستراتيجي الجنرال خليل الحلو والنائب السابق فارس سعيد على «أنّ الحزب يريد استنساخ التجربة الإيرانية أو العراقية أو اليمنية، بمعنى وجود قوتين عسكريتين، واحدة رسمية والأخرى غير رسمية، وان تكون المؤسسة الرسمية تابعة للميليشيا».
ففي إيران، يقول الحلو «هناك «الباسيج» و»الحرس الثوري»، ولهما كل السلطة والقرار، فيما دور الجيش الإيراني ثانوي جداً. وفي لبنان، يريد «حزب الله» دولة وجيشاً، دورهما ثانوي، ويكون له الدور الرئيسي». ويعتبر سعيد انّ «الحزب يريد في لبنان جيشاً ضعيفاً يتعايش مع ميليشيا أقوى منه، كما هو حاصل في إيران، فهناك جيش وطني يعيش ويتعايش مع الحرس الثوري، وفي العراق هناك جيش وطني يعيش ويتساكن مع الحشد الشعبي».
في الوقت نفسه، يرى الحلو أنّ «ضعف الجيش يؤثر سلباً على الحزب»، مذكّراً بأنّ من قضى على «داعش» في البقاع الشمالي هو الجيش، ولو كان في استطاعة الحزب أن يواجه «داعش» لفعل، وبالتالي الجيش هو من قام بعملية «فجر الجرود» وليس «حزب الله»، على مساحة جغرافية تصل إلى 450 كلم مربع، ضمن أكبر عملية جوية وبرية في تاريخ الجيش اللبناني، لا يملك «حزب الله» القدرة على القيام بها. فالحزب لا يملك قدرات جوية ولا قوات برية ولا سلاح مدفعية كالتي يملكها الجيش، وبالتالي، حاجة الحزب للجيش واضحة، وهي التي تجعله يغض النظر عن المساعدات الغربية، مع حذر مستمر من أن تشكّل هذه المساعدات في مرحلة ما عاملاً مغيّراً في موازين القوى». ويضيف: «الحزب في حاجة للجيش وللدولة، لكن لدولة يسيطر عليها».
الخبير العسكري والاستراتيجي العميد أمين حطيط، القريب من «حزب الله»، يصف كل حديث عن انّ «حزب الله» يريد نسف المؤسسة العسكرية، بالتمنيات والأوهام لدى البعض. فمنذ العام 1990 اعتمد الجيش اللبناني عقيدة قتالية ما زالت تُعلّم للضباط، وهي تحدّد من هو العدو وواجبات الجيش. وهذه العقيدة شكّلت عصباً منع الاهتزازات داخل الجيش رغم المخاطر الكبرى، وخصوصاً بعد العام 2000.
ويؤكّد حطيط انّ «الجيش كان في محطات يعمل و»حزب الله» في اتجاه واحد، وفي محطات اخرى، لم يتوقف عمل الجيش على ارادة وقبول «الحزب».
ويوضح انّ هناك «قناعة مطلقة لدى المسؤولين في الجيش، أنّه طالما هناك تمسّك بالعقيدة القتالية طالما يكون عمل الجيش واضحاً، وعندما تهتز هذه العقيدة عندها ينفجر الجيش كما حصل في الـ75، والـ84، والـ88، مؤكّداً أنّ العماد جوزف عون آخر من يتخلّى عن العقيدة القتالية.
وإذ يشدّد على أنّ «الحزب» لا يختلف مع الجيش، ومن يتصور انّ الجيش يمكن ان يتلقّى اوامر من الخارج لضرب الحزب فهو واهم، يشير حطيط إلى أنّ «حزب الله» الذي يقاتل تحت معادلة الثلاثية الذهبية، يضع الجيش أولاً، والحزب يعرف ضرورة وجود جيش قوي بجانبه، لأنّه يعرف أنّه حيث يمكن ان يكون الجيش لا يستطيع أن يكون الحزب. فالجيش ضرورة وطنية وحاجة وطنية للحزب. والحزب حريص على الجيش بمقدار حرص الجيش على نفسه.
مصلحة لبنانية وغربية
هذه المعطيات تؤكّد أنّه يجب المراهنة على دور الجيش الأمني وبقوة. ويقول الحلو إنّ هناك مصلحة مشتركة للبنان وللدول الغربية في ان يبقى الجيش صامداً، لأنّ انهيار الدولة المركزية في لبنان وتحديداً انهيار الجيش، سيكون البديل عنه:
ـ أولاً، تعزيز سطوة الميليشيات التي ستوجد في المناطق اللبنانية لغياب السلطة المركزية، والميليشيا الأقوى اليوم هي ميليشيا «حزب الله» التي ستعزز وجودها العسكري ليس في مناطق نفوذ الحزب فقط، بل قد توسّع نفوذها إلى مناطق لبنانية اخرى، مما سيولّد ميليشيات أخرى في هذه المناطق لمواجهة «حزب الله»، أكانت ميليشيا مسيحية أو درزية أو سنيّة. وهذا يُعتبر قفزاً في الفوضى، ولا يلائم المصلحة اللبنانية أولاً، ولا مصلحة المجتمع الدولي ثانياً، ولا مصلحة الدول العربية ثالثاً.
ـ ثانياً، سيؤدي تنازع هذه الميليشيات إلى عودة التنظيمات الارهابية كـ»داعش» و»النصرة» وغيرها إلى العمل وتجنيد أتباع لها في مناطق مختلفة وتدريبهم وتسليحهم وإرسالهم إلى أوروبا مثلاً لتنفيذ عمليات إرهابية. وهذا إن كان لا يحصل اليوم فمردّه لوجود جيش فاعل وقوى أمنية واستخباراتية قوية.
ـ ثالثاً، انّ انفلات الوضع قد يؤدي إلى هجرة غير شرعية إلى الدول الأوروبية والغربية، ليس فقط للاجئين السوريين، إنما ايضاً للبنانيين.
الدور السياسي
«الدور الأمني للجيش، وامتلاكه القدرات العسكرية والأمنية المتفوقة للحفاظ على الستاتيكو الحالي، وعدم السماح بتفلّت الوضع، لا يعني ان يكون للجيش دور سياسي، فهو وجد للدفاع والأمن»، كما يقول الحلو.
فأهمية الجيش، كما يقول سعيد من جهته، «ليس في قدرته العسكرية فقط ولا في تنظيمه، بل لأنّه المؤسّسة الوحيدة التي تحافظ على العيش المشترك، واذا انهار الجيش انهارت منظومة العيش المشترك في لبنان كلياً، من هنا، تكمن الأهمية في الحفاظ على وحدة الجيش وحماية هذه المؤسسة». ويضيف: «ليس تفصيلاً عابراً، ان يوجد ضابط مسيحي على رأس قيادة الجيش يعطي أوامر لعسكر من طوائف أخرى، هذا الأمر ليس موجوداً إلّا في لبنان، ويجب ان نحافظ عليه لأنّه المعنى الحقيقي للبنان».