IMLebanon

أرض مادية للجيش تحت سقف سياسي

 

 

كان ألبير كامو يقول: “حين لا يكون هناك أمل، على المرء إختراع أمل”. والبلدان، كالأشخاص، تحتاج في عز اليأس والكوارث الى اختراع أمل. فكيف إذا كانت في مثل حال لبنان المدفوع بقوة على الطريق الإنحداري السريع للإنهيار؟ وكيف إذا كانت الذئاب المتسلطة عليه تمنعه حتى من التمسك بصخرة أو شجرة توقف إنحداره؟

 

“لا سوء حظ من دون بعض الحظ”، حسب مثل أفريقي. ومن بعض الحظ أن الجيش بقي واقفاً وسط الحطام السياسي والمالي والإقتصادي للبلد. شيء من معجزة، حيث العجز هو الماركة المسجلة للمسؤولين الغارقين في الأنانيات والأحقاد والتفاهة. وشيء من الإصرار على إرتكاب الجريمة المنظمة المتمادية في حق لبنان واللبنانيين. ومن مفاعيل الجريمة أن يصبح اللبنانيون في وضع المشردين اللاجئين المحتاجين الى مساعدات إنسانية، وأن تحتاج القوات المسلحة الشرعية الى تبرّع الدول الصديقة لها بالغذاء والدواء وسواهما.

 

وليس من المتوقع معاقبة المجرمين الذين أوصلوا لبنان وجيشه الى هذه الحال. فالتركيبة السياسية مافيا واحدة، وإن اختلفت عائلاتها على النفوذ والحصص. والجيش لا يخرج عن “الإنضباط الدستوري”. هو مرهق متعب، لأنه محكوم بأن يكون جيشاً لكل المهام في الداخل وعلى الحدود ولكل الفصول. والمؤسسات تنحل من حوله، وهو صامد في دور جيش الوطن، لا جيش السلطة، ومنضبط بقرار قيادته الوطنية.

 

لكن الواقع أن السلطة فقدت شرعيتها. لا لأنها خسرت ثقة الناس والشرعية العربية والدولية بل لأسباب تتعلق بمهامها. فالسلطة هي “الخدمة” كما يقول البابا فرنسيس. والسلطة التي تعجز عن تقديم الخدمات للناس تفقد شرعيتها. وإذا كانت مقدمة الدستور تنص على أنه “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك” فما هي حال السلطة التي نهبت البلد وحرمت اللبنانيين حتى من العيش العادي؟ وأي عيش هذا الذي لا كهرباء ولا ماء ولا بنزين ولا دواء ولا قيمة لليرة فيه؟

 

التعبير الشائع عن الباكستان وإسرائيل هو: “جيش له دولة”. والتعبير الطبيعي عن أي بلد ديموقراطي هو: دولة لها جيش. لكن لبنان مهدد بأن يصل الى حال: جيش بلا دولة. فالجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية لها هيكليات لكنها ليست مفصولة عن الكيان اللبناني العام. وكما يحتاج الجيش الى أرضية مادية يقف عليها، فإنه يحتاج الى سقف سياسي شرعي يقف تحته. حتى التنظيم العسكري لـ”حزب الله” الذي تموله وتسلحه إيران تحت عنوان المقاومة الإسلامية، فإنه يحتاج الى غطاء شرعي وتحالفات وحماية سياسية، والى أن يعمل في بلد معترف به دولياً لا في مساحة جغرافية، وإن كان يقوم بمهام خارج لبنان.

 

يقول ستيف جونز العبقري الجائع الذي أسس”آبل”: “أهم معدن نفيس لدينا هو الوقت”. لكن الوقت الذي يلعب فيه المسؤولون صار عدو لبنان.