خطاب الكراهية في لبنان يجتاح كل وسائل التواصل الاجتماعي والمنابر الاعلامية والسياسية والطائفية والحزبية، بعد ان اصبحت معايير القوة تقوم على مدى قدرة الافراد والمجموعات على انتاج الكراهية، بما هي اداة التعبير البديهية نتيجة تداعي مهارات الشطارة والتبسيط والتسطح التي تتحكم باداء رموز السلطة وادواتهم الغبية التي حطمت كل محاولات تكوين ارادة وطنية جامعة وقادرة على بلورة اهداف انمائية استراتيجية تتلاءم مع الامكانيات وتحاكي مستقبل الاجيال وتساهم في تعزيز السلم الاهلي وبناء الدولة الوطنية الديموقراطية.
تبالغ الطبقة السياسية في اظهار عمق الاستخفاف بعقول وطاقات اجيال لبنان الفكرية والمعرفية وتفاعلهم الحقيقي والعميق مع المستجدات العالمية على مدى الدقائق والثواني عبر فضاءات الثورة التكنولوجية واجيالها الرابعة والخامسة، في حين يخاطب اهل السلطة اجيال المستقبل بما هم لقطاء او جياع وفقراء ومكونات السلطة لا تشعر بالخجل عند سماع خطاب التوبيخ من قادة العالم مقابل حفنة من المساعدات الغذائية التافهة جدا جدا امام هول ما خسره عموم اللبنانيين من ثرواتهم ومدخراتهم ووظائفهم وسكينتهم واحترامهم.
اصبح خطاب الكراهية الجامع الوطني الوحيد بعد ان سيطر على كل تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، واصبح رفض خطاب الكراهية يتمثل باشهار كراهية البقاء في لبنان، وذلك هو حال معظم النخب الطبية والهندسية والتعليمية والتقنية واصحاب الاختصاصات الذين يعبرون عن رغبتهم بالهجرة وعدم القدرة على تحمل مخاطر خطاب الكراهية الذي قوض كل اسباب الدولة والاستقرار بالفساد ونهب المال العام والخاص وهيمنت شريعة الغاب على كل تفاصيل الحياة.
اهل السلطة لا يعترفون باهل المناطق من الشعب اللبناني ولا بخصائصهم ومواهبهم او قدراتهم، ويعتبر اهل السلطة اهل المناطق من الملحقات وليس من حقهم المشاركة في تحمل المسؤوليات، رغم ما تختزنه تلك المناطق من كفاءات وطاقات خلاقة ومن كل الطوائف والاتجاهات، واهل المناطق يعتبرون الهوية اللبنانية خيارا وطنيا اصيلا تحملوا من اجله الحرمان والظلم والتهميش والاستقواء والاحتلالات والتنكر لحقوقهم الطبيعية بالوظيفة العامة الرفيعة الادارية والقضائية والامنية والدبلوماسية والوزارات والرئاسات، لان اهل السلطة يعتبرون الهوية اللبنانية ارثا شخصيا ويتقنون الهروب من فشلهم المتراكم باثارة النعرات والاحقاد حول حقوق الطوائف الوزارية والرئاسية واثارة الأحقاد العمياء، وعندما يصل اهل السلطة الى غايتهم في توزيع مغانم السلطة فإنهم يسارعون الى اعادة تجديد خطاب الكراهية بين ابناء الطائفة الواحدة من اجل حماية وحدة طائفة اهل السلطة وحرمان ابناء المناطق من حقهم بالمشاركة في صناعة القرار.
نجح الجيش اللبناني يوم الاول من آب في مواجهة مخاطر خطاب الكراهية وتأثيره على السلم الاهلي بعد ان تحول الى عنف اهلي مسلح، ونجح في يوم الرابع من اب بالتعامل مع مظاهر العنف الاهلي التي ذكرت اللبنانيين بتقابلات ما بعد ١٣ نيسان ٧٥ وبالتزامن مع تجاوز قواعد الاشتباك والخطوط الدولية الحمراء على الحدود الجنوبية واشتعال الحرائق والقصف والقصف المضاد وتهديدات اسرائيل التي تراهن على الازمات المعيشية والانقسامات الداخلية، وعلى تعاظم خطاب الكراهية مما يضع الجيش اللبناني امام اصل وظيفته وهي حماية اسباب الدولة الوطنية المدنية ومواجهة مخاطر تحول خطاب الكراهية الى عنف اهلي داخلي يهدد الامن الانساني، ووظيفة الجيش ايضا هي مواجهة مخاطر تطور الحرائق الحدودية الى حرب اسرائيلية، وهذه المخاطر تتجاوز تحدياتها الازمات السياسية والاقتصادية الاجتماعية، والسؤال الاستراتيجي اليوم هو هل سينجح الجيش اللبناني في حماية الوحدة الوطنية والحدود اللبنانية من مخاطر خطاب الكراهية؟